نالت معظم دول الخليج العربي سيادتها الكاملة مطلع السبعينات من القرن العشرين، فشرعت في تأسيس مؤسسات الدولة، وإطلاق مشاريع تنموية كبرى، ساعدها ذلك الثروة النفطية التي امتلكتها، فتغيرت أنماط المجتمع الخليجي التقليدية، وتحولت دوله إلى دول مستقبلة للعمالة الأجنبية من كل أنحاء العالم، فتضخمت أعداد السكان بشكل هائل خلال نصف قرن إلى أضعاف عدة، وصارت نسبة الوافدين تتراوح ما بين 37 ـ 89%، وهي بلا شك نسبة هائلة.

استفادت مجتمعات الخليج العربي كثيراً من قدوم الأجانب، حيث ساهموا في تنميتها، وتلبية احتياجاتها المختلفة حتى وصلت إلى ما وصلت عليه الآن، ولم يشكل الأجانب تحدياً كبيراً لهذه المجتمعات بسبب العوائد النفطية الضخمة التي ساهمت في تلبية احتياجات الجميع من مواطنين ومقيمين.

إلا أن العام 2014 شهد تحولاً تاريخياً جديداً في الخليج العربي، عندما تم الإعلان عن انتهاء مرحلة الدولة الريعية، وبدأت الحكومات الخليجية تتخذ إجراءات لتغيير هيكلها الاقتصادي، وما استتبعه من تحولات اجتماعية وسياسية مازالت مستمرة، ولا نعرف كيف سيكون شكل الدول الخليجية في مرحلة ما بعد الدولة الريعية حتى الآن مع التحولات المتسارعة.

لم تهتم الشعوب الخليجية بمشاركة ثرواتها للأجانب الذين ساهموا في تنمية مجتمعاتها طوال الخمسين عاماً الماضية باستثناء بعض المطالبات والرؤى المختلفة. لكن الآن مع التحول إلى ما بعد الدولة الريعية، فإنه من الطبيعي أن تظهر مراجعات خليجية تجاه الكثير من القضايا، ومن أبرزها قضية مشاركة الأجانب الثروة، وجدوى الحاجة للأعداد الهائلة من العمالة الأجنبية القانونية وغير القانونية.

وصعود الزينوفوبيا الخليجية الآن يأتي في هذا السياق، لكن الإشكالية أن هذه القضية لا يمكن مناقشتها من منظور الزينوفوبيا تماماً، لأنها قضية سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية بالدرجة الأولى، ولا يمكن القبول بالانسياق بترويج الكراهية والنظرة السلبية للعمالة الأجنبية، فهو أسلوب وسياسة مستهجنة، وغريبة على المجتمعات الخليجية، ولا تتوافق مع قيمه تماماً.

القضية أكبر من خفض أعداد الأجانب، أو طرد الأجانب، هي أكبر بكثير من ذلك.