الكتابة عن مشاعر مبحث مهم ومشروع تماماً، لأنه جزء أصيل ومهم من حياة الإنسان. إلا أن المدهش أن بعض الكتاب – وهم يكتبون عن هذا الموضوع– يجدون أنفسهم في خانة السخافة التي يمكن لهم نشرها في مذكراتهم الشخصية أو في خربشاتهم الخاصة، وليس في الصحف والمجلات. وذلك لأنهم لا يضيفون شيئاً على صعيد الفكرة أو اللغة أو حتى المشاعر الإنسانية. ومع ذلك، فإني غالباً ما أقرأ لهؤلاء فقط من باب الاطمئنان عليهم، وعلى حالتهم العاطفية التي يعيشونها منذ عقود، من دون ملل، وهو أمر يستحق الإعجاب. ولا شك في أن القارئ لا يقرأ لهؤلاء ليتعلم أو لينتفع أو ليستمتعَ، وإنما يقرأ فقط ليزداد إعجاباً بهذه القدرة الفائقة على ممارسة فعل الغيبوبة، في الوقت الذي تقوم فيه الدنيا ولا تقعد، وتنفجر حروب وثورات، وتتفكك دول وتنشأ أخرى، وهؤلاء غارقون في سبات عميق. يستحضرون الصور من ثقافة مهترئة، منقرضة، لم يعد لها صلة بالواقع... وهذا يطرح السؤال: كيف يستطيع الكاتب أن يتجاهل الحرائق والانفجاريات في كل مكان، وتجاهل الأشواق والأحزان والخيبات والهزائم والأفراح والإنجازات الإنسانية الكبرى، ويكتفي بالكتابة عن «الأوهام» المفرغة من أي مضمون إنساني، وبطريقة مبتذلة..؟؟ فكيف يستطيع هؤلاء أن يدفنوا وجوههم في التراب، وأن يلغوا أنفسهم وأن يستقيلوا من الحياة وأن يخلقوا لأنفسهم عالماً من الأوهام وأن يتجاهلوا الحرائق فيهربون منها ويتخذون لأنفسهم مكاناً قصياً، ويكتبون لحبيباتهم المتخيلات، فيشترون لهن زهوراً من البلاستيك وخاتم سليمان؟!

إن الكتابة عن مشاعر الحب بهذا الأسلوب المبتذل، تتطلب شجاعة غير عادية ولا مثيل لها. بل ربما تتطلب قدرة فائقة على ممارسة فن اللعب بالكلمات واستحضار الجن في الآن والساعة، من خلال عواطف مصطنعة لا قيمة لها. ولذلك فإن هذا النوع من الكتابة في هذا الزمن هي فعلاً قريبة من صناعة الزهور البلاستيكية التي لا علاقة لها لا بالفن، ولا بالطبيعة ولا بالمشاعر.

* همس:

حبيساً

خلف نافذة قديمة،

يمد البصر،

عبر لوحة مزيفة،

خارج الزمان:

يطير فيها الحمام

في سماء خالية،

يبحث عن ربيع

عن بئر ماءٍ،

عن بحر لا يهدأ،

وعن فسحة للنوم.