الآن وبعد ما تم اتخاذه من أربعة إجراءات بشأن عملية إنقاذ الصناديق التقاعدية والتأمينية ومد عملها سنوات طويلة قادمة، تم تحديد سن الـ55 عاما كسن تقاعدي، ولا يجوز لمن يقل عمره عنه الخروج على التقاعد المبكر، إلا في حالات استثنائية ضرورية تقع ضمنها الإعاقة الجسدية والأمراض المستعصية.

تحديد الحد الأدنى للسن التقاعدي يعني أن الناس ستقضي مزيدًا من الوقت في العمل، سواء في موقع واحد، أو حتى لو انتقلت إلى مواقع أخرى ضمن المنظومة الحكومية أو حتى القطاع الخاص، باعتبار أن الصندوقين توحداًُ الآن في صندوق واحد، وهو الأمر الذي يقودنا للإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية تتعلق بـ«مواقع العمل».

بداية لو بحثتم في الأسباب التي تجعل كثيرًا من الموظفين يتجهون لخيار التقاعد المبكر، ومنهم أعداد قبلت بخيار التقاعد الاختياري المبكر الذي طرح مرة واحدة فقط، ومنح حتى أصحاب خدمة الـ10 سنوات فرصة التقاعد، لو بحثتم في الأسباب ستجدون أن «بيئة العمل» لها دور كبير في «ديمومة العمل» بالنسبة إلى الموظف من خلال استمراره فيها أو سعيه جاهدًا للخروج منها.

الآن ومع تحديد سن التقاعد، ومنح الناس خيارًا أيضًا للعمل سنوات أكثر من الـ55، فإن الحرص يجب أن يكون على ضمان «سعادة الموظف في وظيفته»، بحيث لا نجعله في حالة «معاناة» ما بين ضرورة عمله إلى سن متقدمة في بيئة غير صحية فيها من الإحباطات والتشجنات وغياب العدالة الكثير.

نعم، هناك من غادروا وظائفهم مبكرًا، وهناك من بحثوا عن حلول لتغيير مواقع عملهم، وهناك من اضطر إلى الخروج على التقاعد في سن صغيرة، فقط ليجتنب الاستمرار في بيئات عمل غير صحية، هذه البيئات التي تغيب فيها العدالة الإدارية، وتعج فيها الممارسات الخاطئة، سواء أكانت فسادا إداريا، أم سوء إدارة للبشر من خلال إحباطهم والوقوف أمام تطورهم وترقيهم، واستهدافهم وتحويل حياتهم المهنية جحيمًا لا يطاق. أذكر ذات مرة كتبت عن موظفين بعضهم يصحو صباحًا وكله تفاؤل وسعادة، ويتجه إلى عمله مبتهجًا وراغبًا في العمل والإنتاج، وبعضهم الآخر يصحو متثاقلا ويجر رجليه جرًّا لعمله، تغرقه مشاعر البؤس والإحباط وكأنه ذاهب للجحيم.

بيئة العمل اليوم لا بد من أن تكون هدفًا رئيسًا لعمليات الإصلاح والتطوير، وخاصة أن الناس يقضون أوقاتًا طويلة فيها، والآن سيقضون سنوات أطول فيها مع تحديد سن التقاعد، بالتالي لا بد من إصلاح بيئات العمل من أجل حماية الناس، لا بد من متابعتها ومراقبتها ووقف كل السلوكيات الإدارية الخاطئة، وأيضًا إبعاد كل مسئول غير صالح لإدارة بيئة العمل بشكل نموذجي ومثالي وإيجابي، وإبعاد كل مسئول لا يعمل على حماية الموظفين وإسعادهم وتطويرهم، وهمه الأول التضييق عليهم وخنقهم، وهنا لست أبالغ فهذا يحصل.

بيئات العمل القاتلة بسبب سوء إدارة بعض المسئولين لا بد من أن تنتهي وأن تستبدل ببيئات عمل صالحة، تجعل الناس يحبون عملهم وتقضون فيه وقتهم مثلما يحبون بيوتهم والبقاء فيها فترات طويلة.