لا شك أبداً في أن الحاجة لإحداث إصلاحات لإنقاذ الصناديق التقاعدية أمر ضروري وملح، ولا خلاف على أهمية المرسوم بقانون الذي أصدره جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، بعد توصيات رفعتها الحكومة من أجل انتشال الصناديق التقاعدية من وضعها الحساس والخطير، ذلك أمر مطلوب بلا شك، فلا أحد يتمنى أن يستيقظ على جفاف الصناديق التقاعدية من السيولة المالية، ووضع شريحة كبيرة من المجتمع على المحك المعيشي.

ونحن بكل تأكيد نتمنى أن يستمر هذا النظام التكافلي الذي تقوم عليه الصناديق، بما يسهم في تحقيق الاستقرار المعيشي للمواطنين بعد مشوار عملي حافل من العطاء، وهذا الأمر لا يتطلب فقط إصلاحات عاجلة أو طارئة، بل يستدعي أن تكون هناك خطط واستراتيجيات قابلة للتطبيق الفعال، ومؤهلة لأن تترجم على أرض الواقع، ويكون لها التأثير الحقيقي في إحداث استقرار طويل المدى، وهو ما نأمله من المسؤولين في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.

ولعلنا بحاجة للرجوع إلى أدبيات جلالة الملك حفظه الله في هذا الشأن، لنعرف أن جلالته قد وضع لنا رؤية متكاملة، نحتاج أن نتحمل المسؤولية في تطبيقها واقعاً، ففي بداية الفصل التشريعي الخامس، تفضل جلالة الملك بالإشارة لملف الصناديق التقاعدية حيث وجه جلالته «لدعم الإصلاحات والإجراءات الضرورية، ومن بين أهمها، ما تعلق باستدامة الصناديق التقاعدية لضمان قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الأجيال القادمة»، كما دعا جلالة الملك الحكومة الموقرة «بأن تضع ضمن أولوياتها لفترة العمل المقبلة، الخطط اللازمة لتطوير مجالات الاستثمار وتنويع مصادر دخل الصناديق التأمينية لتحسين الخدمات المقدمة للمتقاعدين، وأن تعمل بشكل مكثف على مراجعة سياساتها بصورة شاملة للتسريع من وتيرة العمل الوطني وتعظيم مكاسبنا وتطوير تجاربنا»، وبذلك قد رسم جلالة الملك السبيل الواضح والوضاء لتحقيق استقرار وتوزان لهذا الملف الهام.

وفي خضم السعي لإحداث الإصلاحات الضرورية في الصناديق التقاعدية، ينبغي عدم إغفال الجانب المهم الذي ورد في خطاب جلالة الملك حفظه الله، بتطوير مجالات الاستثمار، وتنويع مصادر دخل الصناديق التأمينية، ومراجعة السياسيات بصورة شاملة، وبرأيي هذه النقاط هي الجوهر الحقيقي للتغيير.

وليس لدينا أكثر وثاقة من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، الذي يعكس التقدم الكبير الذي تشهده مملكة البحرين في مجال الشفافية، حين تناول ولأكثر من عام التعثرات المرتبطة بالاستثمار في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، سواء في عدم استغلال النسبة الأكبر من أراضي الخام أو تدني نسبة عوائد عقارات التأمينات، أو التهاون في اتخاذ إجراءات قانونية تجاه المتخلفين عن سداد الحقوق المستحقة للهيئة، وغيرها من الأمور، التي لو تم وضعها كمشروع عمل وضمن فترة زمنية محددة، لأحدثت فارقاً حقيقياً في عوائد الهيئة، وبالتالي في زيادة استقرار الصناديق.

وكل ما أرجوه أن نعود لنقف على المضامين السامية لجلالة الملك المفدى، وننطلق منها لمستقبل أفضل للصناديق التقاعدية، مع أهمية الحرص على ترجمة توجيهات جلالته في رعاية ذوي الدخل المحدود أثناء إحداث تغييرات ضرورية أو طارئة.