لا يمكن المزايدة بأي شكل من الأشكال على الإجراءات الاحترازية التي قامت بها البحرين بمختلف مؤسساتها الرسمية لمواجهة جائحة «كورونا»، فهي بالتأكيد جهود سيحفظها التاريخ كما حفظ ما قامت به السلطات البحرينية تجاه الأوبئة قبل مائة عام.

لكننا اليوم بحاجة إلى إعادة قراءة لطبيعة تعاملنا مع هذه الجائحة في ضوء تجارب الدول الأخرى التي عانت كغيرها من بلدان العالم، ثم راجعت أنظمتها وقراراتها وبروتوكولاتها فاختلف تعاملها الآن مع الجائحة عن تعاملها معها قبل ستة شهور. ولنستعرض بعض التجارب، في بريطانيا فإنه ليس من الضروري ارتداء الكمامات في المتاجر، فيما أعلنت فرنسا إنهاء الحظر والسماح بالتنقل داخل البلاد، وفتح المقاهي والمطاعم وحتى المتاحف. وفي دبي تم فتح مراكز التسوق، والمطاعم والمقاهي المختلفة واستعدت الإمارة لاستقبال السياح، وفي الكويت أعيدت صلاة الجمعة وفتحت قطاعات اقتصادية كثيرة، والسعودية أعادت فتح معظم قطاعاتها الاقتصادية، وتستعد لفتح جسر الملك فهد قريباً. مثل هذه الأمثلة تنطبق على كثير من بلدان العالم التي سارعت لفتح اقتصادها مع فرض العديد من الاشتراطات الاحترازية والصحية.

تعد صحة المواطنين أولوية غير قابلة للنقاش، لكن الدافع الاقتصادي يبقى أساس صمود الدولة في مواجهة هذه الجائحة، لذلك توجد الكثير من المسائل التي تحتاج إلى إعادة نقاش من جديد، لأنه لا يمكن أن يستمر تعامل الدولة مع هذه الجائحة كما بدأت، خاصة وأن الخبرات المتراكمة زادت من كفاءة الفريق الوطني للتصدي لهذه الجائحة.

من القضايا التي تحتاج إلى نقاش طريقة احتساب المصابين بالفيروس، وهي طريقة تختلف عن تلك المعمول بها في الكثير من الدول حتى السعودية والإمارات، ففي هذه الدول يعتبر مريض «الكورونا» مصاباً ويتم احتسابه ضمن الأرقام الرسمية إذا ظهرت عليه الأعراض وأصبح خاضعاً للعلاج بمختلف أشكاله، أما من تظهر عليه النتائج الإيجابية أثناء الفحوص ولا يحتاج إلى علاج فإنه لا يتم احتسابه ضمن أرقام المصابين الرسمية ويخضع للحجر المنزلي فقط. وإذا أخذنا هذا النظام المختلف عن نظامنا الوطني، فإن عدد الحالات الفعلية للإصابة بـ«كورونا» في البحرين أمس لا يتجاوز 129 مصاباً فقط.

هناك أيضاً أعداد الفحوص الكبيرة التي تتم يومياً وتصل إلى 10 آلاف فحص، فيها تكلفة ضخمة على موازنة الدولة وتعادل 300 ألف دينار يومياً تقريباً «9 ملايين دينار شهرياً». خاصة وأن الدولة ليس لديها القدرة المالية على تحمل هذه الأعباء، في حين تكتفي معظم الدول بإجراء فحص أولي، ولا يتم إجراء فحص بعد نهاية فترة الحجر، وهو ما يمكن أن تطبقه البحرين، وتقلل من التكلفة والجهد.

من المهم كذلك إشراك القطاع الخاص ليتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فليس منطقياً أن تتحمل الدولة كلفة الحجر الخاص بعمال شركات القطاع الخاص، وعلاجهم وأصحاب الشركات لا يتحملون جزءاً من التكلفة.

أعتقد أن جميع هذه الأفكار مهمة، وبحاجة لإعادة نظر الفريق المسؤول، ونحن على ثقة بأن مراجعة الأنظمة والإجراءات ستساهم في خروج البحرين مما تعتبرها دول كثيرة «بلداً موبوءاً»، هذه هي سمعة البحرين، ويجب العمل على صيانتها.