يتذكر أهل الخليج ما جرى في مجتمعاتهم منذ الخمسينات وحتى السبعينات من القرن العشرين عندما شهدت المنطقة موجة من التحرر الفكري وصل إلى المظاهر والهيئة الشخصية وتزامن حينها مع صعود اليسار العربي، وهو الصعود الذي انتهى دون عودة. تبدل هذا التحول في المجتمعات بعدها بسنوات بسيطة عندما استبدلت الشابات التنورة القصيرة بالحجاب، وغير الشباب قمصانهم المفتوحة إلى ثياب خليجية قصيرة.

قد تبدو تلك الأحداث بعد مرور نحو 70 عاماً عليها بسيطة، وتدخل في سياق التاريخ لا أكثر، إلا أنها في الحقيقة أحداث يتطلب استذكارها الآن مجدداً لإعادة فهم ظاهرة الليبرالية في المجتمعات الخليجية التي كانت سائدة على مدى ثلاثة عقود ثم تراجعت بشكل حاد، والآن هي في طور العودة لكن بشكل مختلف.

رغم أننا نعيش اليوم بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين إلا أن التحولات لا تفارق المجتمعات الخليجية دائماً، معظم الخليجيين اليوم لم يشهدوا تحولات الليبرالية في مجتمعاتهم المحافظة خلال القرن العشرين، لكنهم يعيشون موجة تحولات أخرى الآن ستساهم في تشكيل المجتمعات الخليجية في مرحلة ما بعد الدولة الريعية.

لنسترجع سريعاً ما حدث منذ بداية الألفية الجديدة، في بداية العقد الأول كانت الجماعات الثيوقراطية تتسيد المجتمعات الخليجية بنفوذها السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي، ساعدها على ذلك موجة الانفتاح السياسي التي شهدتها المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. مثلت تلك الفترة الذروة لهذه الجماعات لكنها سقطت بشكل دراماتيكي مع ظهور ما يسمى بأحداث «الربيع العربي» لتتخذ الشعوب الخليجية وحكومات دول المنطقة موقفاً متشدداً تجاهها، وتبدأ المواجهة الطويلة التي نعيش نهايتها اليوم.

تحولت الجماعات الثيوقراطية الخليجية إلى جماعات راديكالية، ومن أمثلة ذلك تنظيم داعش الذي خلق نفوراً شعبياً عاماً تجاه هذه الجماعات بشكل عام لينتهي عهد الثيوقراطية دون رجعة.

في خضم هذا التحول والصراع الطبيعي بين الدولة الخليجية والجماعات الثيوقراطية ثم الراديكالية الذي بدأ من الأفراد وانتقل إلى الحكومات كانت هناك فئات خليجية جديدة قيد التشكل لم تحظَ بمتابعة أو رصد لفهمها، وهي التي ستشكل ملامح المجتمعات الخليجية خلال السنوات المقبلة.