تعد القبيلة إحدى هياكل ما قبل الدولة الوطنية، لكنها الآن عابرة للوطنيات القطرية، رغم أن القبلية عوملت في القرن العشرين بصفة تعسفية، حيث همش الفكر القومي منظومة القبيلة بشكل عام، فنجد القومية عربية والقبيلة أمازيغية في أجزاء من المغرب العربي. أما في المشرق العربي، فنجد القبيلة من نسيج جزيرة العرب فيما يقودهم من حركة القوميين جورج حبش، ووديع حداد، وميشيل عفلق وقسطنطين زريق، وهم في جلهم ليسوا عرباً. وقد أعادنا الحديث عن دور القبائل الليبية الراهن إلى سؤال عن القبيلة، والدور المناط بها. فحين لوح الرئيس السيسي بخيار تسليح القبائل لمواجهة التدخل التركي، اقترحت تونس استضافة الحوار القبلي. أما الجزائر فاعتبرت القبائل الليبية طرف ثالث في الصراع، يجب منع السلاح عنه كالبقية. والمعارضون لدور القبيلة يذكروننا بدمار الصومال وأفغانستان واليمن والعراق وحتى أجزاء من سوريا.كما يرددون أن القبيلة منظومة اجتماعية وليست سياسية.

الرأي المناقض يراهن على القبائل الليبية كمحرك قادم وقادر،على صنع الفرق، النبي صلى الله عليه وسلم بنى دولته وعقد الألوية والرايات ودفعها للقبائل العربية، ومثله الخلفاء الراشدين. لكن المثير هو أن معهد بروكنجز Brookings Institution، القريب من دوائر صنع القرار الأمريكية، أصدر دراسة «الخطوات اللاحقة في ليبيا» The Next Steps in Libya، في 26 يونيو 2020 وترتكز على فكرة أن حالة التوازن العسكري ستتم عبر خطوات إعادة بناء الدولة بالاعتماد على القوى القبَلية المحلية في بناء متدرج من تحت إلى أعلى، ومنحها دوراً شرعياً في حفظ الأمن وإدارة المناطق الداخلة في نفوذها، وإعطائها في مقابل مهامها من العوائد النفطية، بدلاً من محاولة بعث الدولة المركزية المنهارة، فالقبلية تتمتع بفاعلية حقيقية في ضبط السكان وحماية مصالحهم، وسيتطور النظام القبلي تدريجياً نحو نمط من الحكومات المحلية وبعض الوحدات العسكرية الموسعة، انتهاءً بوضع هياكل إدارية مركزية ونظم دستورية يتم الاتفاق حولها.

* بالعجمي الفصيح:

في أواخر 2006 تنبه الأمريكان في العراق إلى أهمية دور القبيلة، فاتجهوا لخلق «الصحوات»، التي نجحت في نقطة وقف تمدد القاعدة لصالح الأمريكان، لكنها فشلت في المشهد العام بما ينفع بلدهم، فهل يتكرر ذلك مع قبائل ليبيا!

* كاتب وأكاديمي كويتي