يصعب أن تشعر بندم حقيقي على ما فات. فبمجرد التفكير في عودة الزمن وتغيير اختياراتك ستجد الأمر محض خيال. فجميع خياراتنا مرتبطة بالظرف الراهن ودرجة وضوح الأشياء أمام بصيرتنا حال وقوعها. لكن بإمكاننا تصنيف وتقييم مراحل حياتنا، لنتمكن من إعادة برمجة خياراتنا المستقبلية.

أكثر مراحل حياتي هشاشة هي تلك التي صرت أطلق عليها مرحلة الإسفنجة. أرى نفسي هناك مجوفة، مثقوبة الأجزاء لا أتعامل ولا أتقبل إلا نوعاً معيناً ومحدداً من الأفكار والقضايا وشؤون الحياة. حين تكون إسفنجة فأنت لا تتشرب إلا السوائل. وأنت تعي أن تعاملك مع عناصر صلبة أو دقيقة ومتناثرة سوف يؤذيك أو يهلكك. لذلك فأنت تتجنب غير السوائل ظناً منك أنك تحافظ على نفسك.

ولأنك لست إسفنجة، وإذا حدث واكتشفت أنك صرت إسفنجة، فستجد نفسك قد صرت محدوداً، ثم ستكشف أنك ربما صرت شخصاً آخر لست أنت. أو أنك قد فقدت السيطرة على نفسك ولا يمكنك التحكم بك.

حدث هذا حين وصلت لمرحلة لم أستطع التأقلم فيها مع محدودية كثير من القناعات التي تشربتها بانتقاء ودراية، مع الأفق الأوسع الذي كنت مضطرة للتعامل معه. وكنت أمام خيارين لا ثالث لهما إلا التخبط في عالم من التناقضات. فإما أن أنكفئ على ما كنت عليه وأكمل الحفاظ على عالمي الإسفنجي، أو خوض غمار التجربة والتعامل مع المكونات التي كنت أصنفها خطراً.

لم يكن الأمر سهلاً. وكان أشبه بالخروج من شرنقة محكمة ومظلمة ورطبة وسط شموس متقدة. ولكن تلك الشموس منحتني القوة والبصيرة والدفء، ولم تحرقني كما توقعت. هل كانت المرحلة الإسفنجية سيئة؟ بالتأكيد نعم، ولكن لولاها، لما جاء ما بعدها.

بدل أن نشغل أنفسنا برصد خسارات الماضي، وحساب ما تبقى من الزمن، فلنشغل أنفسنا بالإبحار في طبائعنا. ماذا كنا، ولماذا؟ وكيف نغير من أنفسنا لنستعيدنا أو نبني أنفسنا من جديد؟ فكل ما مضى هو جزء منا لا يمكن التنصل منه أو محوه. ونحن لن نعيد كتابة تاريخنا، لكن بإمكاننا تشكيل مستقبلنا.