د. ناصر لوري

تناولنا في المقال السابق دور الأوقاف التعليمية في دعم التعليم في أمريكا، وكيف استفادت من تجربتها الجامعات الأوربية والكندية والأسترالية واليابانية والماليزية، وأصحبت هذه التجربة محط اهتمام العالم بسبب إبداعها في إدارتها وتنمية أصولها، حيث صنعت الأوقاف التمييز لهذه الجامعات فتبوأ الكثير منها التصنيفات العالمية المتقدمة، كما عززت الأوقاف دور المراكز البحثية لهذه الجامعات، مثل جامعة أكسفورد التي تتمتع بمنظومة وقفية تبلغ قيمتها 5.7 مليار دولار، والتي استطاعت بفضل الأوقاف وكفاءة فريق الباحثين أن تكون أول من يطرح علاجاً واعداً لجائحة كورونا (كوفيد19) الذي شل العالم، كما دعمت الأوقاف بنود الرواتب وتسديد الرسوم الدراسية للطلبة الجامعيين، وحصل عدد من الجامعات على براءات الاختراع حيث تم تسجيلها باسم هذه الجامعات وتشكل مورداً مستداماً لها، كما نال الكثير من خريجي الجامعات التي يدعمها الوقف على جوائز نوبل العالمية في مختلف المجالات العلمية، وخرجت الجامعات الأمريكية أثرى أثرياء الأرض، حيث بلغ عدد خريجي جامعة هارفرد فقط 1830 مليونيراً وأصبحت ثروتهم لوحدهم فقط بـ 1.900 ترليون دولار، كما أصبح الكثير منهم رؤساء دول وشركات عالمية كبرى تتحكم في مصير الاقتصاد.

إن التجارب الوقفية للجامعات العربية والإسلامية في العالم العربي والإسلامي، لم تستفد -كثيراً- حتى الآن من تراثه الإسلامي الثري في مجال التعليم وتميزه عبر العصور، وكذلك لم تستفد من التجربة الأمريكية الإبداعية في تنمية الوقف وتنمية أصوله.



إلا أن تجربة الجامعات الوقفية بالمملكة العربية السعودية تبشر بخير كثير، حيث خطت هذه التجربة خطوات متقدمة في مجال الأوقاف التعليمية، فمبادرة جامعة الملك سعود الوقفية لدعم الأنشطة البحثية والتطوير والتعليم، نقل الجامعة إلى العالمية، فأوقاف الجامعة تحتضن أوقافاً متنوعة موقوفة على التعليم، مثل أبراج مكتبية وسكنية وأجنحة فندقية وأبراج طبية وغيرها، تقدر قيمتها بـ 1.300 دولار أمريكي، والأجمل من ذلك أنه لديها رؤية طموحة لأن يكون لها خلال 20 سنة القادمة أوقافاً بقيمة 25 مليار دولار أمريكي.

كما تمتلك جامعة الملك عبدالعزيز أول وقف علمي، والذي وُضع أساسه عام 1425 هجرية على مساحة أرض 280 ألف متر مربع، وسجل بطريقة مبتكرة جداً شبيهة بطريقة الاشتراكات المساهمة في القطاع الخاص، ومن أهم مشاريع الوقف هو تأسيس بنك وقفي، وتشجيع براءات الاختراع على غرار شركة الاستثمار HMC التابعة لجامعة هارفرد، وكذلك تمتلك جامعة الأميرة نورة وجامعة الملك خالد أوقافاً متعددة للصرف على بعض أنشطة الجامعة.

إلا أن محفظة أوقاف جامعة الملك فهد للبترول متميزة، حيث بلغت أوقافها حوالي 2 مليار ريال سعودي، موجهة لتمويل أبحاث الطاقة المتجددة وتحلية المياه والدراسات البيئية وتقنية النانو، وتبلغ استثماراتها حوالي 3 مليار ريال سعودي.

إن الجامعات في الدول العربية تحتاج إلى تفعيل لدور الوقف كضرورة وليس خياراً، للوصول إلى التمييز والإبداع، ومواجهة النوازل مثل نازلة «كورونا» التي أضرت بكثير المؤسسات التعليمة، وأعاقتها عن مواصلة مسيرتها.

- تحتاج الجامعات العربية إلى إدراج برنامج تنمية الوقف ضمن استراتيجيتها بعيدة المدى، وتسويقها بشكل احترافي يجذب المتبرعين لها.

- طرح برامج تعليمية وقفية للتمويل، ككراسي التعليم، والمباني والقاعات الوقفية، ومراكز أبحاث، وغيرها من الأوقاف التي تصب في خدمة الطالب الجامعية.

- تحتاج الجامعات الى تأسيس شركات وقفية، تديرها كفاءات عالية تمتع بالنزاهة والإشراف والرقابة.

- الاستثمارات الوقفية للجامعات تحتاج إلى تشريعات وقوانين تنظم عملها، وسيكون قطاعاً يستقطب الكثير من الكفاءات المعطلة في المجتمع، والأيدي العاملة العاطلة.

- طرح برنامج دبلوم في الوقف ضمن برامج الجامعات التعليمية، من أجل نشر الوعي الوقفي بين الطلبة، يمهد لتأسيس بنية تحتية للقطاع الوقفي.

- نشر ثقافة التبرع كما هو الحال في الجامعات الأمريكية، فقد تبرع أحد خريجي جامعة شيكاغوا في أحد الأعوام بـ 100 مليون دولار، لتكون وقفاً لتمويل 100 طالب محتاج الى منحة كاملة، و400 طالب منحة بشكل جزئي، سنوياً.

*متخصص في الشؤون الخيرية والإنسانية