من الأخلاقيات الرفيعة التي يتعين أن يتمثلها الكاتب، ألا يهمل تفاعل قرائه. ذلك إن كان مؤمناً أنه لا يكتب لذاته. وأنه شريك القراء في أفكارهم وهمومهم وآمالهم. ومن المهارات التي تعلمتها من تتبع تفاعل القراء وردودهم، ألا أنجرف خلف كل تعليق، وألا اهتم بالرد على كل موضوع.

يجد بعض القراء أن ثمة كاتباً يمثل، أحياناً، السارد المضمر في وجدانهم. يستطيع بكتاباته أن يفهم تاريخهم، ويعيد تفسير تركيباتهم وأمزجتهم. ويتحالف معهم في آرائهم وقناعاتهم ورؤاهم للحياة والمستقبل. لذلك يدلون بآرائهم وتعليقاتهم ويطرحون الأسئلة والاختلافات. بعضهم يضيف للكاتب قصصا لم يكن منتبهاً أو متحمساً لها. واقع القصص يضفي عليها فهما غير الذي تبدو عليه وهي مجردة. وبعض القراء يحتاج أن يعبر لمجرد أن وجد الموضوع الذي يمسه، والذي يفتقد الحديث عنه مع من حوله. إنها متعة الكتابة والقراءة والشراكة بين الكاتب والمتلقي.

غير أن بعض القراء من ذوي الأمزجة الحادة، والتفكير الأحادي، يمارس مع الكاتب ما يمارسونه مع المحيطين به في الواقع. الرفض وإعطاء التوجيهات والرغبة في تلوين كل الحياة باللون الساكن في دماغه. إنه لا يناقش الفكرة ومسبباتها ونتائجها. بل يحاكم الكاتب في سبب الكتابة في هذا الاتجاه وليس ذلك. ويفتش عن قناعات الكاتب ونياته التي تدفعه لتبني تلك الآراء. ولن يتوانى عن اتهام الكاتب أو تصنيفه أو اجتزاء بعض كلامه وإعادة تكييفه فيما لا يدل عليه.

مع المراس والتدقيق في آراء القراء يتمكن الكاتب من تمييز ما يستحق الرد عليه، وما لا ينبغي الالتفات إليه. ذات مرة كتب أحدهم ردا طويلا على أحد مقالاتي يشكك في نيتي وتوجهاتي ويتساءل لماذا كتبت فقط عن هذا الموضوع وتجاهلت كثيرا من الموضوعات الأخرى، التي تستحق، من وجهة نظره، الاهتمام. كنت مستمتعة وأنا أقرأ استدراج القارئ لي والفخ الذي نصبه، وربما لا يعيه. وأجبته برد مقتضب، دون أن أرفع درجة حماسته: هذه قضايا لا تهمني، يمكنك أنت سد النقص والكتابة عنها. وبذلك لم يرغب في الرد ثانية.