بعض العابرين في حياتنا لا تمنحنا الحياة وقتاً كبيراً للتعامل معهم. نكتشفهم في ظروف معينة. أو لأسباب مؤقتة. ثم يرحلون أو يتوارون. لكننا لا ننساهم. يبقون مؤثرين كثيراً في حياتنا ويبقى ذكرهم عصياً على النسيان.

أغلب الذين لا نريد لأنفسنا أن تنساهم هم الذين يمثلون الجانب الإيجابي والمضيء في حياتنا، في مواقع معينة، وعديدة. بعضهم كانوا نقطة تحول بالنسبة لنا. وإذا تأملنا سيرتهم، فسنجد ظروف حياتهم لا تختلف عنا. فيها الإنجازات، والإيجابيات، والإخفاقات أيضاً. وهم يتمكنون من النجاح بقدراتهم الذاتية أحياناً، ولكنهم يخسرون أمام الرياح العاتية كذلك. ومع ذلك يتحولون إلى شكل من أشكال «النموذج» بالنسبة إلينا. ما الذي يميزهم إذن؟ إنها روحهم الإيجابية، والتفاؤل الدائم الذي يؤمنون به. فهم لا يؤمنون بالانكسار والأحزان إلا في شكلها الموضوعي. لذلك هم قادرون على منحنا مشاعر الإيجابية والسعادة والقدرة على المواصلة والتجاوز.

هؤلاء يفاجئونك، وهم يسترسلون في الحديث معك، بجمل حكيمة ومسبوكة لا ينطق بها إلا الفصحاء. واللغة هي جزء أصيل من تركيبتهم المؤثرة. فاللغة ليست ألفاظاً وتراكيب. اللغة أسلوب تفكير ومنهج حياة. وذكاء نوعي يتميزون به. مما يجعل تلك الجمل باقية وراسخة وخالدة في ذاكرتك. ثم تتحول إلى واحدة من التعاليم التي تحافظ عليها. فعلى سبيل المثال مازلت أذكر واحدة من الجمل البلاغية الحكيمة التي منحني إياها أحد الذين لم أنسهم: «اكتشفي صوتكِ الداخلي، ثم اتبعيه». ربما تعلمت أشياء كثيرة ومختلفة بعدها. لكن بقيت تلك الجملة هي التي تلخص كثيراً مما تعلمت.

سنشعر أننا بحاجة دائمة للاستماع إليهم. وقد نحرص على استشارتهم وأخذ النصيحة منهم. أما إذا ابتعدوا تماماً، فإن الذاكرة تتسلى باستحضار أسمائهم. وإعادة استذكار سيرتهم وحكمتهم. ومهما تقادم الزمن، فإن «غربال» الوقت سيستبقيهم لك من بين كثير من الأسماء التي ستتساقط في بركة النسيان.الآثار الجميلة تبقى محفورة في الذاكرة أكثر من الآثار السيئة. لأننا نعمد إلى نسيان آلامنا وأحزاننا. لكننا نحاول دائماً تلميع الذكريات الجميلة وصقلها وإعادة تفقدها بين وقت وآخر.