أحدث انفجار ميناء لبنان تعاطفا عالميا كبيرا مع اللبنانيين، وكان التعاطف الأبلغ من أشقائهم العرب، تألم العرب لمعاناة هذا الشعب العظيم، الذي «تبهدل» طويلا جراء صراع الأحزاب السياسية على السلطة أولا، ثم فشلها الذريع، لدرجة التعطل، حين تصل إلى السلطة. محبة عربية كبيرة للبنان واللبنانيين كشفت عنها الكارثة الأخيرة، تستحق أن نتحدث عن أحد جوانبها المشرقة.

ظل لبنان في الوجدان العربي بلد الحداثة العربية المتجاوزة، تاريخها الحديث الذي بدأت فيه أمارات النهضة في القرن السابع عشر: ببدء الطباعة وتحديث التعليم بتأسيس المدارس والجامعات الحديثة، وتشكيل الجمعيات الأدبية والثقافية المتعددة، وبدء الرحلات إلى الغرب وغيرها من الحركات التي أسست لبنان الحديث. هذه هي صورة لبنان دائما التي تجلت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كان لبنان هو أوروبا العرب وتحفته المتقدمة.

وحين غرق لبنان في حربه الأهلية، لم يفقد سحره، وبقي الإنسان اللبناني هو الضامن لاستمرار لبنان متقدما جذابا ومشرقا في عيون العرب، غابت الدولة من يومها، وبقي اللبناني هو من يدير البلد حقيقة. استمر في تأسيس المدارس الخاصة التي ضمنت جودة التعليم، وحسن خدماته الخاصة التي استبقت تهافت السياح العرب، أبدع اللبنانيون في تطوير مجالات كانوا السباقين إليها، مثل الإعلام الفضائي، وطب التجميل، والتميز في طرح خطوط موضة لبنانية خاصة في الأزياء والمكياج وتصفيف الشعر، وشركات الاستشارات التجارية والتقنية. من هاجر خارج لبنان كان إضافة فريدة وجميلة للبلد المستضيف، ومن بقي فيها كان هو الأرض والشعب والدولة، لذلك برغم كل الانحدار الذي كانت تؤول إليه الدولة، بقي لبنان ساحرا ومتقدما في أعيننا.

نحن نحب لبنان لأن الإنسان اللبناني يبهرنا بتمثيله الاستثنائي لبلاده، تماما كما فعل الرحابنة وفيروز حين شيدوا صورة أسطورية في أذهاننا عن لبنان ظلت باقية إلى اليوم، نحن نحب هذا الشعب العصامي الذي لا ينتظر الدولة ولا المساعدات الدولية، والذي في ظل هذه الكارثة يعلنها أنه شعب عظيم معتد بذاته ومكتف بنفسه، وسيعيد هو بناء لبنان، وليس النظام أو الأحزاب السياسية.