استقطب لبنان –بعد الانفجار الدراماتيكي في ميناء بيروت– اهتماماً عربياً ودولياً كبيراً، فهو الساحة العربية التي تتقاطع فيها أغلب الإشكاليات التي يعاني منها العرب، فهو فضاء التنوع والتعايش والتجاذب والصراع في ذات الوقت، ثم إنه فضاء الانهيار الاقتصادي والغضب الشعبي المتصاعد على السلطة، فضلاً عن أنه مخترق بسياسات دولية وإقليمية متصارعة، يحاول التعايش معها بصعوبة بالغة. ولذلك فإن استقالة حكومة دياب ما هي إلا عودة إلى خلط الأوراق في مواجهة شعب غاضب من السلطة والأحزاب والطوائف وفشلها وفسادها.

فلبنان الذي عاش أسوأ حرب أهلية، يعرف أكثر من غيره ماذا تعني الحروب الأهلية، ولذلك يحاول أن يتجاوز هذه الأزمة بصعوبة بالغة، نتيجة لما أصاب السياسة اللبنانية من شلل بنيوي،لا ينتج سوى الاصطفافات الطائفية المحددة سلفاً، مما عطل الشرايين الحيوية للمجتمع والاقتصاد، وأربك أي دعم خارجي يمكن أن يقدم إلى لبنان.

إن دراماتيكية المشهد الذي يعيشه لبنان بفعل التدهور المعيشي والبطالة وتراجع قيمة العملة، إضافة إلى الآثار الكارثية للانفجار الأخير، تعززالحصيلة الكارثية لمسار المواجهة التي أوقعت لبنان في هذا الوضع، حيث وجدت الحكومة المستقيلة نفسها أمام الحقائق المؤلمة التي لخص بعضها رئيس الوزراء المستقيل، منها أن الفساد والطوائف أقوى من الدولة، ولذلك فهذه الحكومة غير قادرة على فعل أي شيء تقريباً، رغم جميع التنازلات والتوافقات.

إن هذا الوضع المزمن الذي هندس معالمه النظام الطائفي، لم يعد مقنعاً للبنانيين الذين خرجوا إلى الشارع رافعين أعلام وطنهم، بعيداً عن رايات أحزابهم وطوائفهم، لأنهم أدركوا عمق أزمة السلطة والمجتمع والاقتصاد وفساده، فلم تعد تقنعهم الخرافات الطائفية ولا الرايات الحزبية، ولا نظرية المؤمرة التي استبيحت باسمها دماء وأغلقت منافذ، وقتل تحت عنوانها الأبرياء، وحرق البلد، واجتيحت المدن. ولذلك فإن لبنان اليوم أمام مفترق طرق قد يقوده إلى تحول تاريخي يغير طبيعة نظامه الطائفي. ولكن هل تنجح الجماهير الغاضبة في هزيمة هذه البنية الطائفية الصلبة؟ ذلك هو السؤال.

* همس:

مثقل بالتفاصيل،

والشمس غافية

وراء الغيمة البيضاء،

والأسئلة الذائبة في وهج الظهيرة،

في صحراء يوم لا ينتهي،

فأغتسل

في متاهاتِ الذاكرة السائلة،

لبقايا الرحلة المضنية.