بذلت الدول الخليجية جهوداً كبيرة للحفاظ على قيمها الوطنية، وثوابتها المختلفة، وهي جهود مهمة بدأت عبر مختلف مراحل التنشئة من الطفولة وحتى الشباب، وتمت عبر مختلف المستويات.

لكن التحدي الذي تواجهه القيم الخليجية اليوم هو تحد مختلف، لأن المنظومة العالمية الجديدة لتشكيل القيم العالمية أيضاً أكبر بكثير من قدرات الدول والحكومات التي فقدت قدرة هائلة من قدراتها التقليدية في تشكيل منظومة القيم الوطنية.

وفي ظل غياب مشروع خليجي لقياس اتجاهات وتحولات القيم الوطنية في دول الخليج متوسط أو طويل المدى، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد مسارات واضحة لمنظومة القيم المستقبلية، أو تحديد القيم التي يمكن أن تشكل تحدياً وتهديداً للمجتمعات الخليجية.

لا يعني كل ذلك أن القيم الخليجية التقليدية ستتغير بشكل دراماتيكي، بل سيطرأ عليها تحول تاريخي مهم، الأهم فيه أننا سنشهد قيماً غريبة ودخيلة على المجتمعات التي ستدخل مرحلة من الصراع بين قيم الإنترنت والقيم التقليدية، وينتهي هذا الصراع بتشكيل ثقافة خليجية جديدة تتميز بانعدام القيود وتجاوز حدود الحريات لتصل أحياناً إلى حدود غير مقبولة مجتمعياً الآن.

الليبرالية سمة المرحلة المقبلة، لذلك فإن كل القيم ستتأثر بهذه السمة، وما يدعم كل ذلك أن هناك هامشاً هائلاً للحريات آخذ بالتطور في المجتمعات الخليجية قد لا نشعر به، لكنه يغلف حياتنا، وحياة الأطفال والناشئة والشباب.

لن تكون الليبرالية الخليجية المقبلة كما كانت في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين، بل ستكون مختلفة تماماً. فإذا كانت تلك الليبرالية التاريخية السابقة ناجمة عن تحول حضاري في المجتمعات التقليدية، ونتاجاً للصراع بين الرأسمالية والاشتراكية. فإن الليبرالية المقبلة في الخليج تحديداً ستكون نتاجاً لتحول منظومة القيم، ونتاجاً للصراع بين الثيوقراطية والنتوقراطية «سلطة الإنترنت».

بالتأكيد ستكون هناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية في مستقبل تشكيل منظومة القيم الخليجية، إلا أن معرفة الثقافة القادمة في هذه المجتمعات ستساعدنا على قراءة وتحليل ظواهر جديدة ستكون أكثر وضوحاً خلال السنوات المقبلة.