تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مرئيا لفتاتين تدخلان أحد المتاجر في العاصمة المنامة وتقومان باستدعاء العامل البسيط في المحل، ومع زاوية تصوير واستعداد يبدأ المشهد بتعالي الأصوات، ومن ثم تبدأ السيدة بسؤال الموظف المسكين عن ماهية هذه التحف، وما إن بدأ بالجواب بدأت المرأة بكسر التحف التي هي رموز دينية للهندوس، ومع تكرارها لجملها ومواصلة تحطيم باقي الأصنام تعالت الأصوات حتى انتهى المشهد.

كانت ردود الفعل مختلفة على نطاق وسائل التواصل الاجتماعي، فالبعض اعتبره بطولة وإنكارا للمنكر باليد انطلاقاً من غيرتها على الدين، بينما كان السواد الأعظم ضد هذا التصرف غير المسؤول، والذي لا أصل له في الدين ولا في دولة القانون.

فلا يحق لأي فرد التصرف وفق هواه وتأويله بحجة إنكار المنكر باليد؛ لأن هذا التصرف لربما يترتب عليه منكر أكبر منه، وقس على ذلك تأويل الجماعات المتطرفة التي لطالما نحذر منها، والتي أتى تطرفها من إرادتها للتغيير باليد، وعلى المزاج بحجة إنكار المنكر حتى تطور الموضوع للتكفير والتفجير.

فلمثل هذه الحالات جهات مختصة يمكنك رفع الشكوى إليها، مع العلم أن عديدين أخبروني أنهم قد تقدموا ببلاغ لدى وزارة التجارة، ولكن لم يكن هناك أي تحرك، فجميعنا نرفض بيع الأمور المحرمة وتداولها، ومع ذلك هي موجودة فلو حاول كل إنكار المنكر بيده فسنتحول إلى شريعة الغاب دون قيود ولا قانون وكل يطبق هواه، ولو أن هذا الفعل يتكرر في الدول غير المسلمة تجاه المصحف فإننا نشجب ونستنكر، بينما يؤيد البعض ما تفعله من إهانة إحدى الملل وتحقير شعائرها كما أتت تهمة وزارة الداخلية.

ذكرتني هذه الحادثة بمحادثة أجريتها مع الدكتور عبدالله عثماني مندوب الأمم المتحدة والمتخصص في الصراعات والمدرس في عدة جامعات أمريكية خلال لقائي به في أحد المؤتمرات.

كان سؤالي حول أسباب الصراع الإفريقي بين المسلمين وبين النصارى وبين عبدة الأصنام وغيرهم. وكنت منطلقاً من العاطفة بأنه تم قتل المسلمين وحرق المساجد وهكذا. فابتسم وقال لي: لكنك لم تسمع عن حرق المعابد وقتل النصارى وعمليات تفجير الأسواق، صحيح؟ استوقفني ذلك قليلاً، ثم تابع يقول: تأكد يا محمد أن لكل فعل ردة فعل، فإن كان المسلمون أقلية في هذه الدولة وهم قاموا بحرق أو تكسير فهناك دائما ردة فعل، ولن تكون لصالحهم ولا لصالح المجتمع. الأصل دائماً هو البحث عن الوسطية والتعايش مع المختلف لتجنب إراقة الدماء. فكثير من الصراعات التي بعثتني الأمم المتحدة لإيجاد أسباب النزاع فيها، أجد أن التطرف الديني لأي كائن منهم يكون هو السبب والضحية هي دماء بريئة تتم إراقتها لتصفية تلك الحسابات. التطرف ليس محصورا بالإسلام، بل هو فعل بشري لا يمت للأديان بصلة!