«لو كنا فاشينستات لكان وضعنا أفضل» هذا ما قالته لي صديقتي الكاتبة الخليجية. ونحن نتبرم من تراجع نسب القراءة والاهتمام بالثقافة، ولجوء العديد من الصحف إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من المحررين والكتاب. أجبتها ضاحكة: أتعلمين أن الفاشينستات فعلاً ينافسنا في التأثير الثقافي. إن بعضهن برغم المشكلات والقضايا التي تلاحقهن، لا يتورعن عن تصوير أنفسهن يعظن متابعيهن بالثقة في الذات والاجتهاد وتحمل الصعاب، ونشر المحبة والتسامي، ويحكين قصصاً من الصين القديمة أو التراث الشعبي ذات مغازٍ أخلاقية وسياسية. تلك المقاطع تعد مقالات مصورة أكثر تأثيراً من مقال في صحيفة لا يقرأه إلا المثقفون. وأرسلت لها مقطع فيديو لإحدى الفاشينستات في هذا الاتجاه.

التأثير هو العنصر الحاسم الذي بدأت تفقده الثقافة عامة والكتابة بشكل خاص. وفي مجتمعاتنا ذات الثقافة الاستهلاكية الصارخة، فإن عناصر التأثير ألقت بثقلها في وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها الذين أصبحوا نجوماً وقدوات وبرامج مسلية لمتابعيهم. فمئات المقالات والكتب في النسوية ليس لها وزن أمام قصة إحدى الفتيات الفارات من بلادهن وهي تدعو الفتيات للتمرد على العادات والتقاليد والعيش بالأسلوب الذي يحلو لهن. وعشرات المحاضرات الثقافية عن التحولات السياسية والأزمات الطارئة في المنطقة، لا تثير فضول الجمهور كما تفعل الحسابات الوهمية التي يتابعها ملايين الناس. وأفضل الروايات ليست بجاذبية المسلسلات الطويلة التي تنتجها القنوات المشفرة ويضبط المشاهدون مواعيدهم عليها. هذه المستجدات ملأت أوقات الناس ومنحتهم متعة الصورة والصوت التي لا يجدونها في الكتب والصحف.

وخلال متابعتي للوضع الثقافي في الغرب، فإن الكتابة مازالت محتفظة بألقها، فبعض الكتب حين تصدر تحدث ضجة وتدافعاً كبيراً، وتعد الفضائيات وكبرى الصحف تغطيات كبيرة حولها مع المؤلفين والقراء من عامة الناس. وثمة برامج للترويج لأهم الكتب وتنظيم قراءتها ومناقشتها. إذن الأزمة ليست عالمية! إنها جزء من الثقافة الاستهلاكية الصاخبة التي تكتسح مجتمعنا، والمرتبطة بالمنفعة من كل شيء يتم استهلاكه. تلك الثقافة التي غيرت الرموز الشعبية والاجتماعية من الرموز الفاعلة والدالة والإيجابية، إلى الرموز الاستعراضية والسطحية.