من على سطح المبنى الذي يحتضن مطعم "الماجيك فلوت" في هافانا تستطيع أن ترى مبنى السفارة الأميركية القديم، الذي يستخدم حاليا كممثلية للمصالح الأميركية، بالإضافة إلى مجموعة من سواري الأعلام التي كانت تحمل رايات سوداء.
رايات كان يستخدمها النظام ليغطي المبنى، اعتراضاً على السياسات الأميركية تجاه الجزيرة الكوبية.
لكن السواري فارغة الآن، وما تشاهده على مدى البصر البحر من أمامك، ومباني مدينة هافانا من خلفك. أما على السطح نفسه فهناك مكان سباحة وطاولات وكراسيّ للجلوس. هذا المنظر هو ما جذب ريتشارد أيوس- الفرنسي الكوبي - لأن يستأجر الطابق بأكمله ويبني مطعم "الماجيك فلوت".
إنه أحد الكوبيين القلائل الذين عادوا إلى كوبا من الخارج، بعكس الآلاف الذين يحاولون الخروج من هنا، ثلاثة آلاف وسبعمئة بالتحديد في العام الماضي حاولوا الهروب من كوبا إلى الولايات المتحدة بحرا.
قصة شاب عاد من فرنسا إلى كوبا
وفي هذا السياق يقول: "قبل عامين أتيت إلى هنا من فرنسا في فترة الأعياد ورأيت التغيرات الكبيرة التي تمر بها كوبا من ناحية ثقافية واقتصادية، وكان حلمي دائماً أن أفتتح كباريه فقلت لم لا أحقق حلمي؟".
أيوس في الثلاثينيات من عمره، وولد وترعرع في فرنسا وعمل في عدة وظائف قبل أن يستقر على العمل كساقٍ في حانه. والآن تراه في عجلة من أمره، يحاول أن يتأكد أن كل شيء على ما يرام في مطعمه الذي يقدم الطعام الفرنسي، وافتتح قبل أسابيع فقط.
التغيرات التي يشير إليها، أيوس، سمحت لمواطني كوبا بالملكية الخاصة -لأول مرة- بعد نحو خمسين عاما على انتصار ثورة فيديل كاسترو فيها.
ففي البداية كانت المطاعم الخاصة في هافانا تقتصر على ما يسمى هنا "بالبالودار" أو المطعم البيتي. وفيه تجهز عائلات أطباقا من الطعام الكوبي وتقدمها في غرف منزلها الضيقة. وتضطر العائلة إلى السكن في هذه البيوت نفسها. وفي البداية كانت هذه المطاعم غير منظمة وغير مرخص لها. تتعايش مع اقتصاد يدار بشكل مركزي من قبل حكومة اشتراكية كانت قبل سنوات قليلة توظف خمسة وثمانين في المئة من الكوبيين برواتب تكفي لقضاء حاجيات الحد الأدنى.
صعوبات يواجهها أمل التغيير
أما الآن، فهناك إصلاحات اقتصادية تهدف إلى نقل الكوبيين من القطاع العام إلى الخاص، وتسمح لمستثمرين كوبيين مثل أيوس بفتح مطعم، على أساس ألا يتجاوز عدد الكراسي خمسين مقعدا، لكن أيوس يقول إن التغييرات بطيئة وغير كافية بعد.
ويقول المتحدث: "أنا أحب بلادي وأفضل الدفء والشمس والعائلة هنا لكن من ناحية موضوعية فمن الصعب العمل من دون إنترنت مثلا...". وهناك أيضا صعوبة في الحصول على البضاعة. وقد اضطر أيوس إلى أن يشحن الكثير من أثاثه، أما الطعام فهو قضية أخرى تماما، حيث لا متاجر جُملة، ولا تتوفر الكثير من البضاعة هنا أصلا لتحضير الوجبات الفرنسية.
ويؤكد أيوس أنه يريد ملء الفراغ بفتح مطعم للكوبيين في هافانا يقدم الموسيقى ليلا، ويدخل مبدأ طعام "الغورميه" في بلد ذي نظام طالما شدد على أهمية مبدأ البساطة والمساواة. وها هو الآن مطعم فرنسي على بعد خطى من السفارة الأميركية المستقبلية. هذا مثال لمشروع رأسمالي في أحد البلدان القليلة التي ما زالت تعيش وفق نظام اقتصاد اشتراكي، لكنه على عتبة التغيير.