في أول ليلة تعاود فيها المقاهي فتح أبوابها للزبائن بعد الإغلاق لم أتردد في اختيار المقهى الذي أقضي فيه تلك الليلة. فما أن حانت ساعة «السدفة» حتى اتجهت إلى أحد أقدم المقاهي في المنطقة السياحية بالقضيبية «المشهورة خطأ باسم العدلية».

كنت متشوقاً للقاء «طارق»، صاحب المقهى الذي عودني وعود أغلب زبائنه على الجلوس لساعات للحديث والتباحث في كل مواضيع الدنيا! «طارق»، شخصية بحرينية تحمل خبرات متراكمة، وتمتع الجالس معها بالآراء، غير التقليدية، وبالقصص، القديم منها و الجديد.

لم يكن في المقهى أحد -كحال أغلب المقاهي التي فتحت أبوابها في الليلة الأولى- ولكن «طارق» كعادته كان متواجداً. استقبلني استقبالاً حاراً وسارع في سحب الكرسي ليجلس جلسته المعهودة معلناً بدء ليلة طويلة من الحديث.

«بهدلنا كورونا»، كانت عباراته الافتتاحية - وأعتقد أنها العبارة الأكثر انتشاراً هذه الأيام بعد إلقاء التحية- وبعدها انطلقنا في الكلام. بدأنا بدردشة حول نظام الترخيص في القضيبية بعد أن لاحظنا زيادة المشاريع الترفيهية السياحية التي لا ترقى لمستوى المنطقة المنشود. فالعشوائية تسيطر على أجزاء من المنطقة وكأن موضوع التخطيط مركون على الرف. وعلق «طارق» قائلاً إنه بعد إغلاق الصالات في فنادق النجمتين والثلاث نجوم، تشهد منطقة القضيبية زحفاً لمشاريع تشبه تلك الصالات و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت»!

بعدها تفرع وتشعب الحديث حتى وصلنا إلى الإنتاج الحيواني في أثيوبيا، ثم موضوع يتعلق بالتصنيع والمصانع في سنغافورة وتايوان! ولا أذكر كيف جرتنا المناقشة في الأخير إلى أنواع الأشجار والنباتات التي تزرع في البحرين!

كل هذه الأحاديث سواء كانت شيقة أو مملة، سطحية أو عميقة، متسلسلة أو غير مترابطة، التي خضتها مع رجل مخضرم في أجواء القضيبية المرحة، وبصحبة كوب قهوة دافىء، لا يمكن استبدالها بمحادثة عبر وسائل تواصل سريعة أو منصات إلكترونية حديثة تنقل الصوت و الصورة. فمهما نجحت التكنولوجيا في تقريب الناس إلا أن اللقاء الحقيقي وجهاً لوجه والتقارب الاجتماعي لا يعوضان.

والملاحظ أن أرقام حالات الإصابة شهدت ارتفاعاً مؤخراً لأسباب أتوقع أنها معروفة للجميع. والمحب لوطنه ومن يعيش فيه يتمنى أن تنتهي هذه الأزمة في أقرب وقت وأن يعود البحرينيون لممارسة حياتهم كما السابق بحيث تتم لقاءات الزملاء والأصدقاء في الأماكن العامة دون خوف أو قلق على الصحة وبدون أقنعة وقفازات، فهل يتفق ويتعاطف المستهترون اللا مبالون المصرون على إلحاق الضرر بأنفسهم وعائلاتهم بل ومجتمعهم كله مع هذه التمنيات؟ في ظل المعطيات، أخشى أن يكون ذلك صعباً!