يبدو أن المسافة بين طهران وأنقرة أقصر من بعدها الجغرافي أو حدودها السياسية، وخصوصاً فيما يتعلق بما يمارسه النظام السياسي الإيراني ونظيره التركي في استهداف واضح وفج للأمن القومي العربي في أكثر من بقعة جغرافية.

فعلى مدى ما يزيد عن 40 عاماً من عمر الثورة الخمينية في إيران وما قبلها، حاول النظام بشتى الوسائل استهداف الأمن القومي في أكثر من بلد عربي، ولا بد لي هناك أن أعود -ولو بعجالة- إلى تاريخ هذا الاستهداف، وخصوصا ما تعرضت له مملكة البحرين.

فمع انحسار الانتداب البريطاني على منطقة الخليج العربي، وبداية تحقيق الاستقلال لشعوبها، سارع النظام الإيراني إلى المطالبة بضم مملكة البحرين كجزء من الدولة الفارسية، بل عمل على تكريس هذا الأمر بأن أعلن البحرين المحافظة رقم «14» وتم تعيين مندوب لها في مجلس النواب الإيراني.

بالمقابل كان الرفض الرسمي والشعبي البحريني لهذه الخطوات كبيراً وحاسماً، يدعمه موقف عربي قومي بقيادة جمهورية مصر العربية، التي سخرت كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية لتحقيق هذا الاستقلال، وهو ما تحقق بالفعل مع القرار الذي أصدره مجلس الأمن بالإجماع في الحادي عشر من مايو عام 1970، بعد الاستفتاء الذي قامت به الأمم المتحدة بشأن ما إذا كانت الجزر «البحرين» تفضل الاستقلال أم الانضمام إلى إيران.

وجاء في تقرير الممثل الشخصي للأمين العام أن «الغالبية الساحقة من شعب البحرين ترغب في الحصول على الاعتراف بهويتهم في دولة مستقلة وذات سيادة كاملة حرة، وفي أن تقرر لنفسها علاقاتها مع الدول الأخرى».

لكن الأطماع الإيرانية في البحرين لم تتوقف عند هذا الحد، بل تواصلت مع اندلاع الثورة الخمينية عام 1979 وما تلاها، وعلى مدى 40 عاماً كانت البحرين أحد الأهداف الإيرانية لما يعرف بـ «تصدير الثورة»، من خلال محاولات زعزعة الأمن والسلم الاجتماعي تارة، وتارة أخرى من خلال تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت الدولة البحرينية، وتقديم الدعم المالي واللوجستي والتدريب للعناصر الإرهابية، ما أسقط عشرات الشهداء من رجال الأمن والمدنيين. وللحديث بقية.