كتب - طارق مصباح: قال المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد إن “الأمة بحاجة إلى دعاة ربانيين يعالجون دين الناس و يصححون عقائدهم” داعياً الشباب “للإقبال على العلم الشرعي وعلم الحديث بشكل خاص” وأكد في لقاء مع “الوطن” أن محقق الأحاديث عليه الإلمام بالموضوع الذي يقوم بتحقيقه “كي لا يقع في أخطاء بسبب عد تخصص في هذا الفن فيقع في أخطاء لا تليق بعقل عاقل” مشيراً إلى أن الالتفات إلى الربح المادي تجعل الذي يسهم في تحقيق التراث الإسلامي “يتعجل ولا يتأنى”. وأوضح أن من أهم الأسباب وراء عزوف طلبة العلم عن دراسة علم الحديث، وجود الحاسب الآلي والبرامج الحديثية التي جعلت طلبة العلم، يأخذون منها والبحث من خلالها، والعناية به والبحث عن طريقه. علم الحديث.. بين الأمس واليوم ^ يعلم الجميع فضيلة الشيخ اعتناءكم الشديد بعلم الحديث والكتابة فيه وتدريس كتب أصول الحديث، فكيف تصفون الحالة العامة العلمية اليوم، ومدى عناية الطلبة بهذا العلم؟. الحالة العلمية الحديثية في هذا العصر كانت قد لقيت قبل فترة صحوة حديثية لم تشهدها الأمة بهذه الصفة منذ قرون طويلة، لأن علم الحديث كان فيه تقصير من قبل كثير من طلبة العلم في العالم الإسلامي على مر التاريخ إلا في بعض الفترات كالقرون الثلاثة ونحو ذلك، ولكن بعض من بعد عصر الحافظ بن حجر رحمه الله نجد أن علم الحديث اضمحل إلا في رموز قليلة جداً، ولكن في هذا العصر وعلى وجه الخصوص وبعد مجيء الشيخ الألباني رحمه الله، إضافة إلى وجود بعض الأعلام الذين عاصرهم وتوفوا قبله كالشيخ أحمد شاكر والشيخ عبد الرحمن المعلمي رحم الله الجميع، قد أحدثوا ثورة علمية وصحوة علمية حديثة أثرت في جميع أقطار العالم الإسلامي وكان لها بروز يتمثل في تتبع الكتب الحديثية التي تشهد المكتبات بأنها أكثر الكتب رواجاً تجارياً، إضافة إلى الإقبال النهم على اقتناء كتب الألباني والتقليد منها، كذلك تتبع تسجيلات الشيخ الألباني بشغف وحرص من قبل طلبة العلم، وإذا ما أقيمت دروس علمية تتعلق بعلم الحديث كنا نجد الإقبال عليها كبيراً عديم النظير، وهذا الكلام كان في بلدنا على وجه الخصوص وتلك الدروس التي كنت أقيمها على وجه التقريب في الفترة بين 1409 إلى 1416هـ والناظر إلى ذلك الإقبال والآن يجد بوناً شاسعاً بين الوقتين، هذا بشكل خاص أضف إلى ذلك تلقي الدروس العلمية العامة والإقبال على المحاضرات الذي تقلص الآن وشهدت الساحة انحساراً من 1415هـ، واشتد بعد عام 1420هـ إلى وقتنا الحاضر. عزوف عن دراسة الحديث ^ ما هو السبب وراء عزوف طلبة العلم عن دراسة علم الحديث؟ لعل من أهم الأسباب من وجهة نظري أولاً: وجود الحاسب الآلي والبرامج الحديثية التي جعلت طلبة العلم بالأخذ منها والبحث من خلالها، والعناية به و البحث عن طريقه، صاحب ذلك وجود الفضائيات والشبكة العنكبوتية والهواتف النقالة، و هذه الأشياء الثلاثة على وجه التحديد جعلت اهتمامات الشباب تقل بنسبة بنسبة كبيرة عن تلقي العلوم الشرعية والإقبال عليها، فأصبح بعض طلبة العلم اكتفى بالتلقي منها ويسلي نفسه بأنه يتلقى العلم والهمم قصرت و النفس تميل للراحة، كذلك هناك من طلبة العلم قد دخل المواقع العلمية عبر الإنترنت من خلال المقالات والبحوث والمناقشات العلمية والصراعات الفكرية و مناقشة أحوال الأمة و واقعها السياسي والدعوي، فعزف كثير منهم عن العلم الشرعي. كذلك سوق العمل، والدراسات الجامعية يلتفت فيها الشباب نحو الناحية الوظيفية قد استغنى نسبياً عن الوظائف الشرعية و أنها مكتظة، أدى للعزوف عن تخصصات الدراسات الشرعية بشكل عام و تخصص علم الحديث على وجه الخصوص. كذلك فقدت الساحة الدعوية العلماء الذين كانوا يحركون الساحة، كانت وفاة الرموز العلمية الدعوية في فترات متقاربة فأحدثت أثراً في تلقي العلوم الشرعية فأصيب الطلاب بخيبة أمل ووجودهم كان له أثر ويمكن معرفة ذلك ومشاهدة ذلك من خلال متابعة علمهم الذي نشروه. الأمة بحاجة إلى هؤلاء الرجال الذين يعالجون دين الناس ويصححون عقائدهم. فأدعو الشباب للإقبال على العلم الشرعي والحديث بشكل خاص. نحو الإقبال على علم الحديث ^ بعض الناس يقول إن علم الحديث علم لا يحتاج إلى التعمق فيه، لأن العلماء درسوا الأحاديث وحكموا عليها، لا سيما الجهود المبذولة اليوم من أمثال الشيخ الألباني رحمه الله، فما هي فوائد دراسة علم الحديث اليوم؟. أقول إن الناس أعداء ما جهلوا، ولو أن صاحب هذه المقالة صلة بعلم الحديث لما قال ما قال، ولأدلل على ذلك بالنظر لأقوال العلماء السابقين مثل الشافعي وغيره عندما اعترفوا أن علم الحديث “علم لا نضج ولا احترق”، وهو العلم الأكثر حاجة على خدمته، والواقع المعاش يؤكد على أن البحوث في علم الحديث زاخرة ومادتها غزيرة لا تكاد تراها في تخصصات أخرى تجد المادة العلمية فيها شحيحة. وأكثر المخطوطات التي يزخر فيها العالم الإسلامي وتحتاج إلى إخراج اليوم هي المخطوطات المتعلقة بعلم الحديث، فلا ينبغي أن نقول هذا الكلام الذي يصرف الناس عن هذا العلم الغزير. كما إن شيخنا الألباني رحمه الله كانت عنده منهجية قد خالفه عليها بعض أهل العلم الحديث في كثير من الأحاديث، وبعد الدراسة المستفيضة وتطبيق القواعد الحديثية على هذه الأحاديث نجد أن كفة هؤلاء العلماء قد ترجح على كفة الشيخ في كثير من الأحاديث، فاجتهاده مرجوح من وجهة نظر البعض، كما إن الشيخ لم يحكم على كل الأحاديث فهناك كثير من الأحاديث التي ذكرها لم تكن مصحوبة بدراسة حديثة مستفيضة. المحققين.. في الميزان ^ ما هو تقييمكم للمحققين اليوم، بعد أن برزت بعض الأسماء اللامعة في التحقيق كأحمد شاكر والألباني وعبدالسلام هارون، نجد اليوم أن كل من أراد التجارة والربح السريع اتجه إلى التحقيق؟ هذا سؤال مهم، بعد غياب الثلة المباركة رحمهم الله التي أسهمت بشكل كبير في إخراج كثير من تراث المسلمين من المخطوطات إلى المسلمين للنهل من تلك المعارف. أعقبهم وجود بعض المتأثرين بهم، وهناك بعض طلبة العلم الذين تتشوف نفوسهم للمشاركة في خدمة هذا التراث العلمي إلا أنهم يفتقدون بعض الأمور و المسائل التي تخدمهم في هذا العلم، فلا ينبغي لهم الذهاب إلى هذا الأمر الضخم إلا بتوفر التالي: التحقيق يتطلب علم متكامل من أهمها علم اللغة وقواعدها المتعلقة بالتحقيق والأشياء الخادمة مثل معرفة مناهج البحث وعلامات الترقيم وطريقة التعامل مع المخطوطات من خلال التعرف على أنواع الخطوط وطريقة الكتابة ورسم الخطوط ومصطلحات الكتبة في تلك العصور، إضافة إلى قواعد الكتابة، و طريقتهم في التعليق و الإلحاق والشطب وغير ذلك مما يتعلق بالمخطوطات. الواجب على طلبة العلم أن يتعرفوا عليها على وجه الدقة ولا يستعجلوا، فقد وجدنا في بعض هذه الكتب التي تخرج كثير من الأخطاء التي تدل على جهلهم في تلك القواعد المهمة. كذلك الإلمام بالموضوع الذي يقوم بتحقيقه كي لا يقع في أخطاء بسبب عد تخصص في هذا الفن فيقع في أخطاء لا تليق بعقل عاقل. الالتفات إلى الربح المادي تجعل الذي يسهم في تحقيق التراث يتعجل ولا يتأنى، التحقيق يحتاج إلى صبر وجلد وبذل كثير من الوقت والمال، وهذا يترتب عليه الإخلال بالمادة العلمية التي تخدم الكتاب وهذا أسوأ ما وجدناه على الساحة، فأذكر من يعنى بذلك أن يتقي الله لأنه قد يكون ممن يحرف شرع الله من حيث لا يدري وهذا أمر خطير جداً، فحينما يزج بمادة علمية محرفة مشوهة فإن هناك من يعمل بها ويكون عمله بها وسارياً على أجيال بل وقد يفتى بها، كذلك يمكن أن يكون هناك في الكتاب سقط بسبب العجلة وعدم التروي ويكون هذا الكلام الذي تركه يؤدي إلى تغيير المعنى، كذلك فهم بهذه الصفة يفسدون أديان الناس ويأكلون أموال الناس بالباطل بجهد غير متكامل لا يجوز له ولا لدور النشر فعل ذلك. دور العلماء في استخراج المخطوطات ^ تفرقت المخطوطات الإسلامية التي تحمل كنوزا عظيمة من مؤلفات علمائنا، فهل هذا الانتشار كان فيه خير على الأمة، وهل مع تقدم العصر أصبح الأمل أكبر في أن نجد بعض المخطوطات المفقودة، وما دور العلماء تجاه ذلك؟. - هناك من المخطوطات ما هو معرف منها في العالم وقد طبعت بحمد الله، وهناك المخطوطات الأقل أهمية، الأولى من وجهة نظري أن يعنى بإعادة تصحيح وتدقيق الكتب التي خرجت وهي بحاجة إلى إعادة نظر ومن يقوم على خدمتها أكثر وأكثر، وإن كانت قد طبعت مثل كتاب التمهيد لابن عبد البر، وكتابه الاستدكار، وكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي. فلو أعيد تحقيقها ليس من قبل هؤلاء الذين أشرنا إليهم ممن يبحثون عن الربح المادي والتجارة و لكن من قبل ممن يسعى نحو إخراج هذه الكتب إخراجاً سلمياً للنهوض بالعمل على الوجه الذي نريده. بقي أن نشير إلى بعض الكتب الشرعية التي تريدها الأمة ولم تطبع، وهذه الكتب حسب معرفتنا أنها قد فقدت مثل بعض كتب الأمهات كصحيح ابن خزيمة – مسند ابن مخلد – تفسير حميد – تفسير ابن المنذر، فإن كتب الله وجودها فلا شك أنها تتطلب الكثير من العناية، وما ذلك على الله بعزيز على إيجادها. أثر دراسة الحديث على طالب العلم ^ ما هو أثر دراسة علم الحديث في تغيير أخلاقيات طلبة العلم؟ نؤكد في كثير من الدروس أن علم الحديث يجب أن يؤخذ على أنه علم تربوي يجب أن تنعكس آثاره على أخلاق طالب العلم في عبادته وسلوكه وتعاملاته مع أهل العلم ومع أقرانه ومع عامة الناس، وهذا يتطلب في المقام الأول الإخلاص للنية لوجه الله تعالى في هذا الطلب، كذلك يتطلب التكامل في جميع الجوانب، بمعنى أنه ينبغي أن يكون هذا الطالب ورعاً زاهداً متعبداً بعيداً عن الحرام من جميع أبوابه ويعنى بتصحيح أديان الأمة ومسيرتها ودعوتها لتنهل من النبع الصافي القرآن والسنة وغيوراً على ما يراه من انحراف في الشهوات والشبهات فيسعى لإعادتها إلى جادة الصواب وفق الخلق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والمصلحون من هذه الأمة. كذلك أيضاً ما يتعلق بأخلاقه مع المشايخ و الدعاة وإخوانه من طلبة العلم، فإذا نظر إلى طرق أهل العلم في تجريح الرواة من المسلمون ويعرفون حق المسلم و حرمة الغيبة و النميمة وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تصان عن الدخيل فيها وما كان يصاحب ذلك من آداب والعدل و الإنصاف معهم والثناء على الجوانب الطيبة فيهم وبيان جوانب الخطأ منهم، فإن هذا يجب أن ينعكس على سلوكه وطريقته، وآلية التعامل مع أقوال الأئمة من باب الناسخ و المنسوخ أو حال الرأي مع بيان الأسباب و التماس الأعذار حسب القواعد الضابطة دون اتهام محدد بآداب تربوية دون قدح و تشهير مسرف، و الكلام بعلم و تثبت و إقامة الحجة، وحبذا لو يتلوى ذلك هم ذلك هم العلماء العاملون وأما طلبة العلم الصغار ففيهم عجلة فهؤلاء يجب عليهم أن يترووا، لذا فإن الساحة الإسلامية بحاجة إلى علماء ربانيين عاملين يضبطون سلوك طلبة العلم ويقودون مسيرة الأمة باتزان كما فعل ذلك الألباني و ابن باز وبن عثيمين، ونسأل الله أن يقيض لهذه الأمة من يقوم بهذا الدور.