البعض لا يحب الخريف. يربط بينه والحزن والكآبة والألم. يُنظر إلى فصل الخريف على أنه شهر اصفرار أوراق الشجر وتساقطها وشحوب الحياة والأرصفة. حتى في التصورات الإنسانية لبداية شيخوخة المرء، نسمي بداية الضعف خريف العمر. الحزن ليس سمة في فصول السنة وأيامها. الحزن سمة إنسانية نحاول إخفاء أسبابها وإسقاطها في العالم الخارجي. لذلك فالخريف في نظري ونظر الكثيرين فصل جميل وفاتحة لأشهر مذهلة من أشهر السنة.

أحب الخريف. انتظر طلوعه في أيام الصيف القاسية والحارقة. وحين يهل أيلول «سبتمبر» تبدأ مشاعر اعتدال المزاج عندي بالارتفاع. الخريف فصل مفصلي. إعلان لنهاية اشتداد الحرارة والجفاف. وبداية تسرب نسائم الشتاء الباردة والمنعشة. فيه تستعد الأشجار لتبديل حلتها من الأوراق التي قاست كثيراً في الصيف وفقدت رونقها. اللون الذهبي الذي يمنحه الخريف للأوراق يضفي بهاء استثنائياً ونادراً في أيام السنة. أعجب كثيراً من الذين لا يتذوقون جماليات ألوان الشجر خريفاً. وروعة انتشار الأوراق على الأرصفة والساحات والحدائق وطيرانها ودورانها في حلقات متماوجة ومتكسرة. رائحة الخريف هي آخر عطر تكتسي به الطبيعة قبل أن تغط في نوم عميق في أشهر الشتاء.

قليل من الملابس الزاهية تكفي للتمتع برياح الخريف. فالجو ليس بارداً بما يكفي لطلب الحماية. والسير ليلاً أو على شاطئ البحر له متعته الخاصة. حتى السفر في ذلك الفصل، هو من المغامرات ذات المعنى الخاص. ففضلاً عن اعتدال الأجواء في معظم دول العالم، فإن الهدوء يطغى على تفاصيل الرحلة. فأشهر الخريف هي أشهر العمل المكثف وبدء العام الدراسي في أغلب الدول. لذلك تقل الزحام على الفنادق وعلى المناطق السياحية مما يجعل السفر في الخريف فرصة للاستجمام والاسترخاء وإعادة شحن الروح والعقل.

لا فرق عندي بين الخريف والربيع. فكلاهما نهاية لتطرف الفصل الذي يسبقه. وتمهيد للفصل الذي يليه. كلاهما يتميزان بالاعتدال وازدهار الألوان وإعلان ميلاد جديد للطبيعة. والحزن والفرح لا يسكنان الأشجار والرياح والأمواج. إنهما يسكنان أرواحنا وأفكارنا، فنرى فيما أمامنا ما نشعر به ونفكر به. لا أكثر.