لقد أصبحت المحاباة والمجاملة آفة بعض المجتمعات فتتغلغل بها الواسطة التي تسمح لغير المؤهلين أو الأقل كفاءة بتولي مناصب أو شواغر لا يستحقونها، جريمة في حق المجتمع، ما يصيب بعض القطاعات بالقصور في الأداء، ويزرع الغضب والشعور بالغبن لدى عديد من الشباب نتاج «الواسطة» أو المجاملة التي يحظى بها أولو القربى والمعارف في المؤسسات أو الشركات.

فلقد بتنا ندور في صراع تتخلله العقبات التي ليس لها أي مبرر سوى «الواسطة». فقد أصبحت الواسطة والتسلق من أكثر العوامل هدماً للمجتمع، وصارا كما السرطان يشق الصف لكي يفسد الحياة العملية برمتها على ذوي الكفاءة.

إن «الواسطة» أفسدت كثيراً مما تعلمناه في المدرسة ونحن صغار، وأفسدت حكايات الجدة وروايات الأم عن الاجتهاد وعن الإخلاص في العمل، حتى إننا نسينا المقولة الشهيرة التي كانت تملأ جدران المدارس «من جد وجد ومن زرع حصد»، فكم زرعنا، ويأتي غيرنا من أصحاب الواسطة لكي يحصدوا الخير.

ومن المفارقات أن نجد في بعض الشركات من يتوسط لأحدهم رغم أنه وصل إلى منصب رفيع بالكد والعمل الدؤوب، فلماذا يقحم علينا ذلك الشخص موظفاً غير مؤهل لمجاملة قريب أو صديق، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل تناسى سنين تعبه ومعاناته حتى وصل إلى هذا المنصب الكبير الذي أتاح له أن يفتح لقريبه أو أحد معارفه باب العمل بمفتاح الواسطة؟ أم دماثة خلقه جعلته لا يستطيع رفض تغليب مصلحة أحدهم لمعرفة سابقة به أو معزة، من دون أن يدرك أنه ساهم في إفساد جيل وتعطيل عجلة التقدم، نعم فالمسألة ليست صغيرة لأنها تفاقمت ودمرت أهم شيء يمكن أن يتسلح به الشباب، إنه الطموح.

أتعلمون أن قتل الطموح لدى الشباب أخطر عوامل الهدم للمجتمع؟ فكيف نشحذ الهمم إذا غاب الطموح؟ وكيف نصل إلى الإجادة في العمل إذا أمن المخطىء العقاب محتميا بالواسطة؟

أتمنى أن يدرك كل ذي منصب أو شأن في المجتمع أهمية تنمية الطموح لدى الشباب وأهمية العدالة في المجتمع، وأن نحارب الجريمة التي ترتكب في حق الشباب والمجتمع بالقضاء على الواسطة، وأن نحيي الطموح بتقديم القدوة الذي يحتذى بها في الحياة. وليس معنى مقالتي أن القدوة غابت عن مجتمعنا، بل على العكس فإن عديدا من الرجال الذين شقوا طريقهم في بناء البحرين الحديثة كانوا خير مثال يحتذى الآن، ولكننا نحتاج إلى إحياء الهمم وتغليب العدالة في المجتمع وشحذ همم الشباب؛ حتى يواجهوا الحياة العملية دون أن يخبو الأمل فيهم.