لدى حضوري إحدى حصص الجري التي انقطعت عنها منذ فترة سألت أحد الأصدقاء الذي صادفته عن أحد الشباب المثابر الذي كان دائماً في الطليعة خلال التدريبات في فترة ما قبل جائحة كورونا، ولكنه فاجأني بأنه تعرض لإصابة خطِرة ستمنعه من ممارسة الجري فترة ليست بالقصيرة.

لم تذهب كلمات هذا الصديق من عقلي، بل استمر صداها حتى انتهينا من التمرين فعاودت سؤاله عن أسباب الإصابة، فجاوبني أنه استمع لنصيحة أحد المستجدين في عالم الجري على مواقع التواصل الاجتماعي وتواصل معه وأخبره أنه يحب الجري وما إلى ذلك، فبادره الخبير بأنه يمكنه أن يتدرب معه ويكون أحد تلامذته؛ فهو يحمل عدداً من الشهادات في مختلف المجالات الرياضية والنفسية، ومع بعض التمارين غير المسؤولة والنصائح الطبية تعرض هذا الشاب لانتكاسة صحية، ومع هذا التراجع في صحته هزل جسده وتعرض لإصابة في ساقه أبعدته عن هذه الرياضة فترة ليست بالقصيرة.

أصيب هذا الشاب بسبب انتحال مدربه وأخصائي التغذية شخصية خيالية اكتسبها من خلال حضوره عدة دورات في الكوتشنج ودورات أخرى عن بعد في التغذية، ومع قليل من المطالعة يغير مسماه في وسائل التواصل الاجتماعي إلى «كوتش حياة»، «مدرب شخصي محترف»، «أخصائي تغذية»، ومن هنا يبحث عن المال بكل الطرق ولو أنها كانت بطرق ملتوية، فبعض المأكولات لا تتناسب مع من لديهم أمراض كامنة وأخصائيو التغذية الحقيقيون أسسوا قاعدتهم العلمية من خلال دراساتهم في الجامعات وانخراطهم في حياة أكاديمية طويلة وشهادات معتمدة من مؤسسات عالمية، ولديهم أساليب علمية في عمليات تحديد احتياجات كل شخص بعد العديد من الاختبارات والفحوصات المختبرية.

وكذلك هو الحال لكثير ممن يحضر دورة أو اثنتين في علم النفس أو فيما يسمى بالكوتشنج ليتحول طبيبا نفسيا وأخصائي علاقات اجتماعية ومعالجا للاكتئاب وغيره، بل يتجرأ البعض منهم بكتابة وبيع أدوية ومضادات للاكتئاب بغير تخويل طبي أو ترخيص طبي من الجهات المعنية، ليقع في شراكهم كثير من الضحايا الذين يبحثون عن نور الأمل في ظلام حياتهم.

كثيرة هي أمثلة تجارة الوهم التي يتداولها ضعاف النفوس والمروءة مستغلين ضعف أحدهم، وبقليل من الكذب يصبح هذا المريض أو المتدرب مجرد مصدر دخل للأموال، ولا فرق بينهم وبين تجار المخدرات الذين عادة ما تكون أولى جرعاتهم مجانية حتى يأتي اليوم الذي لا تستطيع العيش فيه دون منتجهم.