د. شمسان بن عبدالله المناعي




مرحلة الطفولة المبكرة من المراحل المهمة في مسيرة النمو الإنساني، وتؤكد أهميتها منظمات رعاية الطفولة مثل اليونيسف ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية، وهذه المرحلة تمتد من نهاية مرحلة الرضاعة إلى سن الثامنة، ويطلق عليها علماء النفس «مرحلة السعادة» لما فيها من ترفيه مع قرناء السن واللعب معهم سواء في المدرسة أو خارجها، حيث يقضي فيها الطفل معظم أوقاته معهم ليعبر عن نموه الجسمي والحركي، ويؤكد مهاراته الذاتية ويكتسب مهارات نفسية واجتماعية، مثل الثقة بالنفس وتقدير الذات والاستقلالية، ويكوّن علاقات اجتماعية مع جماعة الرفاق.

وفجأة في ظل الوباء العالمي «كوفيد19»، وجد الطفل نفسه في عالم مختلف، حيث التعلم عن بعد الذي يفرض عليه البقاء في المنزل، ويقضي أوقاته بين الجدران الأربعة. والتعليم عن بعد يسبب له العزلة والتباعد الاجتماعي والمناخ الذي لا يساعد الأطفال على تعلم المهارات الاجتماعية، مثل التحكم بالمشاعر والتحلي برباطة الجأش، وتسوية الخلافات مع الأقران، فقد بات معروفا أن الوقت الذي يقضيه الأطفال في الدراسة يلعب دورا حاسما في مساعدتهم على النضوج. وأشارت الدراسات إلى أن الأطفال الذين لديهم إخوة وأخوات يكتسبون المهارات الاجتماعية أسرع مما يكتسبها أقرانهم أفضل من الطفل الوحيد في الأسرة.


ويكاد علماء النفس والتربية يجمعون على أن مرحلة الطفولة المبكرة وخاصة الخمس سنوات الأولى هي من أهم مراحل النمو التي تشكل إلى حد كبير ما يمكن أن تكون عليه شخصية الطفل في المستقبل، والمعلوم أن أطفال اليوم هم ثروة بشرية ترتكز عليها خطط التنمية المستدامة المستقبلية للدول، ومن هذا المنطلق تحتاج عملية النمو في الطفولة المبكرة بمختلف جوانبها الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية إلى الرعاية الشاملة من قبل المحيطين بالطفل، وخاصة الوالدين حيث إن البيئة الأسرية الثرية بالمنبهات والمؤثرات المعرفية والثقافية ذات الجودة من شأنها أن تسرع النمو في الجوانب البيولوجية والعقلية، وخاصة بفعل نمو خلايا الدماغ خلال السنوات الأولى في هذه المرحلة التي يتدرج فيها النمو من مرحلة الرضاعة في السنتين الأوليين إلى مرحلة الفطام الجسمي والنفسي في السنة الثالثة، حيث يسرع فيها النمو بجميع جوانبه لكي يتكيف الطفل من خلالها مع البيئة المحيطة به والتي تشبع حاجاته المختلفة ويصبح معتمدا على نفسه إلى حد كبير.

لذا يتساءل كثير من الآباء والأمهات عن كيفية التعامل مع أطفالهم في ظل هذه الظروف غير العادية لمساعدتهم على التخلص من أي مشاعر سلبية، مثل الشعور بالخوف والقلق للتمتع بالصحة النفسية، لذلك نقول للوالدين كونا متعاطيَين وصادقَين مع أطفالكما ولا تظهرا مخاوفكما وقلقكما لهم، حيث إن الأطفال في هذه المرحلة يتمتعون بقدرة فائقة على سرعة إدراك مظاهر القلق والخوف والتوتر البادية على ملامح آبائهم وأمهاتهم أو من يقومون برعايتهم، وقد ينتقل هذا الشعور السلبي لقلق آبائهم سواء خوفا من المرض أو من فقدان الوظيفة أو بسبب ضغوط العزل المنزلي إلى أطفالهم؛ لذا على الآباء والأمهات بصفة خاصة الالتزام بالوضوح مع الأطفال الصغار، حيث يحتاج الأطفال دون سن الخامسة أن يحصلوا على تفسيرات واضحة جداً وبسيطة لا تتضمن كلمات غير معروفة لديهم، ويجب ألا يتحدث الآباء والأمهات عن هذا الوباء أمام أطفالهم أو يجعلوهم يشاهدونه في وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التلفزيون، وكذلك مراقبة وسائل التواصل التي بحوزتهم.

إن للأسرة دورها المهم في هذه المرحلة وذلك بتحييد هذه الآثار الناتجة عن الأزمة الوبائية واستثمارها بطريقة صحيحة تعود على شعور الطفل وسلوكه بشكل إيجابي لذلك يعد الحوار من أكثر العناصر فاعلية في فترة الحجر المنزلي؛ لقضائه وقتا طويلا مع أفراد أسرته دون الاختلاط بأحد آخر، ما يسمح له بالتعبير عن نفسه وما يشعر به أمامهم.