عَجَز صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية عن تحقيق التوازن المالي بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة. وقد أفصح عن عجزه في تحصيل عوائد استثمارية كافية لتغطية التزاماته، مما أثار الشكوك حول قدرته على الاستمرارية ودفع اشتراكات المواطنين. وبذلك واجهت آليات حوكمته تحديات كبيرة، مما دفع الحكومة للتدخل وتطبيق خطط تعافٍ لإنعاش الصندوق، إلا أن هذه الخطط جاءت «وقائية» وليست «استباقية».

إن الإجراء الوقائي له تأثير إيجابي على الخسائر المتوقعة قصيرة المدى، ولكن هناك لحظة تتضاءل فيها المسافة بين الإجراء الاستباقي والوقائي، وهي اللحظة التي تحارب الحكومة معضلة عجز الميزانية دون تعريض نفقات الحماية الاجتماعية للخطر، وهو سيف ذو حدين يضع الحكومة في حالة معاكسة، وما أقصده بالحالة المعاكسة هو زيادة الإنفاق لتعزيز الظروف الاجتماعية وفي الوقت ذاته ترشيد الإنفاق لسد العجز المالي في ميزانية الحكومة.

من الواضح أن التدابير التي اتخذتها الحكومة بهدف تقليص عجز الصندوق قد وضعتها في موقف لا تحسد عليه في تعزيز المجال الاجتماعي. خلق الوضع الحالي ثقلاً مرتبطاً بالقضايا الاجتماعية في موازنات الحكومة. وعلى وجه التحديد «رواتب المتقاعدين». ومع ذلك، فمن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات نهائية حول آثار خطط إنعاش الصندوق الدائمة ولكن من الضروري البدء في الإجراءات الاستباقية للحد من العجز المستقبلي للصندوق.

من وجهة نظري أن أهم إجراء استباقي يجب أن يُبنى في سياق «تكيف هيكلي جديد للصندوق»، فهناك العديد من الأسئلة حول أسباب عجز الصندوق تترجم إجابتها في وجود إدارات جديدة تتناسب مع طبيعة عمل الصندوق وهي: هل الصندوق بحاجة إلى إدارة للدراسات الاستثمارية؟ هل استحداث إدارة للتخطيط الاستراتيجي تدعم الدراسات الاستثمارية يعد ركيزة لعملية الإستثمار؟ هل وجود إدارة للإستثمار مقسمة بحسب تخصصها «الملكية الخاصة، الأسواق العامة، الأصول العقارية.. إلخ» يعد عاملاً من عوامل نجاح الاستثمار؟

إن وجود مثل هذه الإدارات في صندوق التقاعد قد يعزز من قدرته على الاستثمار ويحسن من أدائه المالي مما ينعكس إيجابياً على المواطنين والاقتصاد معاً.