كتب - جعفر الديري: يؤكد المتابعون للأغنية البحرينية، افتقادها للمؤرخين والنقاد، مقابل كثرة المطربين والمغنين. وهو أمر لايزال سارياً، منذ بداياتها وحتى الآن. فالأغنية التي تنظر بعين الرضا إلى الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة التي تجتهد في ظهورها بشكل يشرف مملكة البحرين ماضيها وحاضرها، لاتزال تشكو قلّة دارسيها، من أكاديميين وباحثين. وتتضاعف المشكلة أكثر حين يبدأ الباحث من الصفر، معتمداً على جهد النظر في بطون الكتب والوثائق، إلى جانب اللقاءات الميدانية مع صناع الأغنية قديماً وحديثاً. لذلك لا نغالي إذا اعتبرنا كتاب “ذاكرة الأغنية البحرينية” للباحث إبراهيم راشد الدوسري؛ جهداً استثنائياً غير مسبوق. نحتفي به نحن أبناء هذا الجيل، كما ستعنى به الأجيال المقبلة. فهو بحق كتاب فريد من نوعه، غطى مرحلة زمنية طويلة، منذ أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين حتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. يشير الدوسري في مقدمة كتابه إلى شهود ثمانينات القرن العشرين، خطواته الأولى في مشواره الفني، مندفعاً بطموح الفنان الملحن والمغني. حيث أثمرت تلك الخطوات عن تلحين وغناء عدد من الأعمال الفنية الغنائية الوطنية والعاطفية والدينية والإسهام بتلحين وغناء المقدمات واللوحات الغنائية والموسيقى التصويرية للعديد من المسرحيات والبرامج والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية. لكنه طوال تلك الفترة كان يشعر بفراغ في توثيق ذاكرة الأغنية البحرينية ومراحل تطورها المختلفة، تحول إلى هاجس بالتوثيق، ظل يلح عليه كلما تلفت حوله ولم يجد مبادرة للاهتمام بهذا المجال، سوى ما تفرزة الصحافة المحلية واللقاءات الإذاعية والتلفزيونية من إضاءات ومعلومات قليلة، لا تعبر في رأيه عن عمق ذاكرة الأغنية البحرينية وإرهاصاتها ولا تحفر في طبقات مراحلها التاريخية. إن تاريخ الأغنية البحرينية -كما يشير الدوسري- ظل بعيداً عن اهتمام الكتاب والباحثين في تاريخ البحرين، وحتى في الجانب الرسمي لم يتضح أي مشروع ثقافي يعنى بهذا المجال من التوثيق. ومع مضي الزمن يمضي من الطبيعي أن يرحل العديد من الفنانين الرواد وبرحيلهم تتضاءل المعلومات المتعلقة بذاكره الأغنية البحرينية. وهنا أصبح الشعور يؤرق الدوسري مع رحيل أي فنان أو فنانة من كبار السن، ومع الوقت تمخض هذا الشعورعن أفكار ورؤى حول ضرورة التحرك السريع للمبادرة بتوثيق ذاكرة الأغنية البحرينية. لأجل تحقيق تلك الغاية، قام الدوسري بإجراء اللقاءات الميدانية مع من تبقى من الفنانين الرواد والفنانين الذين عاصروا البدايات التأسيسية والتجمعات الموسيقية والغنائية في البحرين، حتى تشعب البحث به إلى مفاصل تطور الحراك الموسيقي في البحرين من جميع جوانبه، وتمخض البحث عن عدد من الإصدارات تضمنت سير أعلام الطرب وملامح الفنون الشعبية في البحرين. ليخرج إصداره “ذاكرة الأغنية البحرينية”، شاملاً لمحاور مفصلية تعبر عن تطور المراحل التاريخية للموسيقى والأغنية الشعبية والحديثة في البحرين. بأبواب وفصول عدة تناولت؛ فنون الغناء الشعبي والفرق ودور الغناء الشعبي، فن الصوت والطرب الشعبي، رواد الأغنية البحرينية في النصف الأول من القرن العشرين، إذاعة وتلفزيون البحرين ومشوار الأغنية البحرينية، الثقافة الموسيقية، الفرق الموسيقية واستوديوهات التسجيل، جمعية البحرين للموسيقى والفنون الشعبية، مؤسسة صوت وصورة، المهرجانات والمؤتمرات الموسيقية المحلية والعربية والدولية، الإصدارات البحرينية في مجال الموسيقى والغناء والفن، الفنانين الذين أسهموا في الأغنية البحرينية، الفنانين والشعراء الذين أسهموا في الأغنية البحرينية.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}