أمسِ استمعت إلى لقاء مع الدكتور عبدالله الغذامي دكتور أستاذ للنقد والنظرية في جامعة الملك سعود وهو معني باللغة ودلالاتها، إنسان لا يعيش في أبراج الفلاسفة رغم أنه منهم، يسخر علمه لما فيه خير لوطنه، تجده يخوض حروباً هو في غنى عنها لكنه حس المسؤولية العالي.

كان اللقاء الذي أجراه خالد المدخلي على قناة العربية في برنامج «سؤال مباشر» حول اتفاقية السلام الذي عقدته الإمارات والبحرين مع إسرائيل، حيث أشار الدكتور الغذامي إلى كلمة وزير الداخلية البحرينية مستشهداً بعبارة جاءت في الكلمة «إن كانت فلسطين قضيتنا العربية إلا أن البحرين قضيتنا المصيرية» وقال يكفي البحرين هذا القدر من الشرح الموجز الذي جاء في هذه العبارة كي تتفهم موقفها ولترد به البحرين على منتقديها والمعترضين على قرارها السيادي وتلجم المزايدين.

استعنت بما قاله الدكتور الغذامي اليوم لأقول إن كلمة وزير الداخلية لو قيلت في اليوم الأول لإعلان الخبر ولو استعنا بها كبيان رسمي للدولة يصدر بعد بيان الديوان الملكي الذي جاء بالعنوان الرئيسي للقرار كما جرت العادة في مثل تلك البيانات، ثم يأتي الخطاب والبيان الرسمي الذي يوضح ويشرح التفاصيل، ولو استعنا بكلمة الوزير منذ اليوم الأول لأسكتت الكثير من القيل والقال، ولكانت سحبت البساط من المزايدين، ولكانت أقنعت العديد من المترددين. فما ذكره الدكتور الغذامي هو انطباعنا وانطباع الكثيرين الذين استمعوا للكلمة في الحال.

يكفي هذا البيان تلك العبارة كي تغنيك بفصحاتها عن مئات المقالات اللاحقة أو أي تصريح لاحق، ولهذا تلقفتها وكالات الأنباء ولفتت انتباه كل من تحدث عن البحرين لاحقاً، واستخدمتها قنوات التلفزيون للدلالة على موقف البحرين، فالإعجاز كما قيل في الإيجاز، وحين تتجه مباشرة في خطابك للهدف يتضح مدى ثقتك في قرارك وهذا انطباع نود دوماً أن يكون عن البحرين للحفاظ على سمعتها ومكانتها، ولم يكن ينقصنا البيان والمنطق والحجة كما نرى، إنما ينقصنا الإعداد والاستعداد والتهيئة ومزيد من الثقة في إمكانياتنا، والأهم ليس كل من خاطب الناس اخترقت كلماته عقولهم وقلوبهم معاً.

كنا أمام قرار خطير يشكل منعطفاً تاريخياً في استراتيجيتنا الأمنية ورغم أننا نأخذ هذه الخطوة بهدوء تام دون اندفاع ولا نتعاطى معها بأجواء احتفالية، بل بجدة تتسم مع أهميتها وخطورتها وهذا ديدن السياسة البحرينية عموماً، إلا أننا كنا بحاجة إلى إعداد بيان رسمي كهذا جامع شامل (يسد الفراغات العالقة في الذهنية) وهي عبارة سمعتها وأستعين بها، يصرح بالقرار السيادي من منطلق الثقة والعزيمة والإصرار ويملك الحجة والمنطق ويتحدث بلغتنا يصل لعقولنا قبل أن يصل لقلوبنا، لا تلكؤ فيه ولا تأتأة، خطاب يضعك أمام دولة ليست بحاجة للآخرين أن يحددوا نيابة عنها ما هو في صالحها وآخرين يحددون مصيرها بالإنابة، خطاب حدد أولوياتنا في عبارة ووضع الأمور في نصابها مثلما وضع النقاط على حروفها.

شكراً معالي الشيخ راشد بن عبدالله، دمت ذخراً للبحرين.

* ملاحظة:

اللقاء مع الدكتور الغذامي يستحق المشاهدة وهو موجود على اليوتيوب.