لا يكل الشاب التهامي من حمل الإبريق الأصفر للشاي الموضوع تحته كانون صغير به قليل من الجمر، يحافظ على دفء الشاي، في اليد الأخرى قفة صغيرة بها أكواب وسكر وربطة من النعناع.
ويطوف التهامي الشارع القريب من مقام الشهيد في منطقة المدنية بأعالي العاصمة الجزائرية، وبين الحين والحين، يتوقف سائق سيارة ليطلب منه كأس شاي، أو تناديه مجموعة من الأصدقاء متحلقين في الحديقة الصغيرة لطلب الشاي أيضا.

ظروف البطالة
وقدم التهامي إلى العاصمة الجزائرية قبل أربعة أشهر، دفعته الظروف الاجتماعية القاسية وموت السياحة في مدينته تيميمون أقصى جنوبي الجزائر، وانعدام مناصب الشغل إلى التفكير في الرحيل صوب العاصمة، لبيع الشاي الصحراوي.
ويقول التهامي "لم يكن لي حل آخر سوى القدوم إلى الشمال، أنت ترى الاحتجاجات في الجنوب للمطالبة بمناصب الشغل، وحتى الظروف الاجتماعية قاسية هناك مع قسوة الصحراء، لم أكن أريد أن أتحول إلى مهرب، أو أن أبقى عاطلا ومستندا إلى الجدران، ففكرت في القدوم إلى العاصمة، والحمد لله وفقت في هذا المشروع الصغير".
ويعمل التهامي في الفترة الصباحية متجولا، قبل أن يلتحق بمقهى قريب من الحي، اتفق مع صاحبه للعمل حتى المساء.
فنوعية الشاي الصحراوي وطريقة إعداده الخاصة التي يتقنها أهل الصحراء، لم تغر العاصميين فقط لارتشاف الشاي الصحراوي العتيق، لكنها صنعت ديكورا جديدا في كثير من المقاهي في العاصمة الجزائرية.
ولم يكن الشاب التهامي وحده من نقل فكرة بيع الشاي الصحراوي إلى العاصمة والمدن الكبرى في شمال الجزائر، فكثيرون مثله باتوا ينتشرون في الشوارع أو المقاهي، كظاهرة مستجدة ومحببة.

أصحاب المقاهي يركبون الموجة
وبسرعة كبيرة، أغرى نجاح هؤلاء الشباب القادمين من عمق الصحراء، أصحاب المقاهي والمطاعم في العاصمة في التفكير بعقد شراكات تجارية مع هؤلاء الشباب، بعض المقاهي عرضت عليهم العمل في إحدى زواياها لصالح زبائنها مقابل هوامش ربح متفق عليها بين الطرفين.
ويقول خالد، صاحب مقهى في حي المدنية بالعاصمة الجزائرية "أعجبني الشاب وطريقة إعداده للشاي، فاقترحت عليه أن يعمل في المقهى، بحيث أخصص له مكانا بها لينصب طاولته الخاصة ويعد الشاي، ولأنه شاب ملتزم، وفرت له أيضا مكانا للإقامة في المقهى.
ويضيف خالد صاحب المقهى، وهو لاعب سابق في فريق محلي لكرة القدم "أعجبت لعزيمة وإصرار هذا الشاب القادم من الصحراء ورغبته في كسب قوته بالعمل، أنه يبدأ العمل بدءا من الساعة الثانية حتى العاشرة مساء، أنا أحترمه وأحترم حرصه على عمله، أنا أعامله كأحد أبنائي".


ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تطور الأمر إلى فكرة فتح محلات صغيرة خاصة ببيع الشاي الصحراوي، مع اللوز والجوز والكاوكاو وباقي المقبلات والحلويات التقليدية، وهي محلات يتم تزيينها بديكور صحراوي تقليدي، وتشهد اكتظاظا مع كل مساء.
وبين العاصميين وباعة الشاي القادمين من عمق الصحراء، باتت رابطة العلاقة والاحترام قويين، وطبيعة هؤلاء الشباب وسكان الصحراء وطيبتهم واتزانهم تعمق من هذه العلاقة وتزيد من الاحترام المتبادل.
ويقدم هؤلاء الشباب نموذجا رائعا للقدرة على الإبداع في أكثر من مجال حياتي، وأيضا في القدرة على تحويل نموذج حياتي وعملي بسيط إلى تجارة رائجة، فبفضل هؤلاء الشباب السمر، أعاد الجزائريون اكتشاف الشاي في شكله العتيق، وبطريقة إعداده التقليدية، لكنهم اكتشفوا أيضا عمق التنوع الثقافي والمجتمعي.