إدارة الندوة - أيمن شكل

تصوير: "سهيل وزير"

أكد مسؤولون وخبراء، أن الأوقاف بحاجة تعزيز الشفافية للحث على الوقف، والخروج من تحت مظلة وزارة العدل لتصبح هيئة مستقلة تجمع الأوقافين، مؤكدين أهمية إدخال تعديلات تشريعية عاجلة لتحقيق الاستثمار الأمثل لحجم الموجودات الهائل لدى الإدارتين.



وأضافوا خلال ندوة نظمتها "الوطن"، حول "عوائد الوقف في البحرين"، أن الوقف يواجه عدة معضلات، أبرزها عدم الاستغلال الأمثل لموارد تصل إلى ربع مليار دينار في الأوقاف السنية فقط، فيما تستحوذ الجعفرية على أكثر من 2500 قطعة أرض لم تحدد قيمتها السوقية.

وشارك في الندوة، كل من رئيس قسم الشؤون القانونية وتسجيل الأوقاف بالأوقاف السنية الشيخ علي عبدالرحمن مطر، ورئيس قسم البحوث وشؤون المساجد بالأوقاف الجعفرية د. وسام السبع، والباحث في شؤون الوقف د.ناصر لوري، والأكاديمية المتخصصة في مجال الابتكار الاجتماعي د.لولوة بودلامة.

وفيما أكد مطر أن إيرادات الأوقاف السنية وصلت إلى 6 ملايين دينار، رغم تأثير ارتفاع أسعار الكهرباء والماء في 2019 وجائحة كورونا، قال السبع: إن الحسابات الختامية للأوقاف الجعفرية لا تزال قيد التدقيق، ولكنها تجاوزت 5 ملايين دينار كمتوسط سنوي للأعوام السابقة.

"الوطن": نود الاطلاع على المبادرات الغربية في الوقف وكيف تطورت؟

- لوري: على الرغم من حداثة الولايات المتحدة الأمريكية واقتباسهم الفكرة من المسلمين، فإن تجاربهم شهدت قفزات كبيرة منذ القرن الـ16، فضلاً عن وجود مؤسسة تدعى "المرصد الخيري" وهي مؤسسة لا تهدف إلى الربح وترصد بيانات كافة المؤسسات الخيرية التي أصدرت تقريرها السنوي عن مجمل أعمالها الخيرية، وعدد الواقفين لمرضى الكلى مثلاً، أو لمراكز طبية في أمريكا.

ومن ضمن الأمثلة مستشفى "هوارد" الذي يحتكم على وقف بقرابة 19 مليار دولار، ولذلك فإن البيانات المنشورة تعطي للواقف الفرصة للحكم على مدى مصداقية عمل الوقف.

جامعة هارفارد مثلاً، لديها 21 ألف محفظة وقفية قيمتها السوقية 40 مليار دولار، والعائد على الوقف 5 ملايين دولار، كما أصبح المتطوعون في المؤسسات الوقفية في أمريكا 60 مليون متطوع بجهد مقدر بـ8 مليارات و100 مليون دولار، ومن مميزات التجربة أنها خلقت أكثر من 11 مليون وظيفة في الاقتصاد الأمريكي.

كما أن للمملكة العربية السعودية تجربة متميزة، هي إنشاء فروع في غرف التجارة للجنة للوقف، هدفها تنظيم ندوات ومحاضرات، بل تطوير التشريعات، وهو ما نحتاجه اليوم في البحرين.

"الوطن": إيرادات الأوقاف السنية في 2016 بلغت 4.097 ملايين دينار، بينما بلغت المصروفات 809 آلاف دينار، فهل هناك أرقام حديثة؟

- مطر: أود التنويه إلى أن الإيرادات وصلت إلى 6 ملايين دينار، وذلك على الرغم من تأثير ارتفاع أسعار الكهرباء والماء في عام 2019 وجائحة كورونا "كوفيد19" خلال هذا العام، ولكن تشهد الإيرادات تصاعداً وتنوعاً في الاستثمارات.

حالياً، نبحث في الأوقاف القديمة التي لدينا ونضعها بين أيدي الباحثين الشرعيين، ليتم تخصيصها لطلبة العلم، حيث يوجد العديد من طلبة الجامعات يحتاجون لمصروفات التعرف على كيفية المساهمة بوقف، ومنهم حالة صادفتني، وشرحت له فكرة الوقف العلمي، فعاد بعد أسبوعين وأبلغني أنه اشترى بناية بنصف مليون دينار وريعها الشهري حوالي 5 آلاف دينار، ويريد وقفها لطلبة الجامعة، وسألني هل يصير؟ فقلت له: "كل شيء يصير"، واليوم استطعنا من خلال هذا الوقف تقديم العون لطلبة في جامعة البحرين والبوليتكنيك وبعض الجامعات الخاصة.

وقمنا بتخصيص قسم بعنوان "الأعمال الخيرية" يضم كافة أنواع الأعمال، مثل العلاج، ومساعدة الطلبة، والرعاية الصحية، والأسر المتعففة، وكثير من الأمور.

- السبع: عدد العقارات الوقفية التي تديرها إدارة الأوقاف الجعفرية يبلغ 2563 عقاراً وقفياً وخيرياً وذرياً ومشتركاً، أما بالنسبة إلى إيرادات الوقف خلال عام 2019، فإن الحسابات الختامية للإدارة لا تزال قيد التدقيق، ولكن يمكن القول: إن الإيرادات الوقفية للأوقاف الجعفرية تجاوزت الـ5 ملايين دينار كمتوسط سنوي للسنوات السابقة، والإدارة عاكفة على إصدار البيانات المالية الختامية المدققة، بالتعاون مع عدد من الجهات الاستشارية وبيوت الخبرة المستقلة.

- بودلامة: ولكن هناك بعض الأراضي الوقفية مؤجرة بمبالغ رمزية، منها مساحات كبيرة مؤجرة بأرقام تتراوح بين 250 ديناراً و300 دينار!

- مطر: لا يوجد لدينا في الأوقاف أراضٍ مؤجرة بأرقام زهيدة، وكل ما لدينا تم تطويره وإعادة تقييم إيجاراته والمتبقي منها فقط أراضٍ بيضاء، والإيرادات الحالية يتم تطويرها، حيث كان المتوسط مليون دينار قبل 10 سنوات، حتى الإيرادات الحالية البالغة 6 ملايين فنحن غير راضين عنها، ونعمل على تنميتها.

- السبع: الأراضي الوقفية بطبيعة الحال معروضة للتأجير والاستثمار بحسب الضوابط الشرعية والقانونية، وهناك العديد من الاستثمارات الناجحة المقامة على العقارات الوقفية، مثل المدارس الخاصة، والمحلات التجارية، والفلل السكنية، وغيرها، وجميعها منشأة من قبل مستثمرين، وفي نهاية المطاف ستؤول إلى إدارة الأوقاف الجعفرية كمنشآت لصالح الجهات الموقوفة عليها.

مجلس الأوقاف الحالي بصدد مراجعة وقرب إصدار دليل أحكام التأجير في القريب العاجل، وهو دليل مطور وينظم عملية التأجير، كما أن هناك العديد من المبادرات الأخرى قيد الدراسة؛ لتطوير آليات التأجير بصورة تتواءم مع المتغيرات؟

"الوطن": كم يبلغ حجم موجودات الأوقاف السنية اليوم؟

مطر: حجم الموجودات يبلغ ربع مليار دينار، بدون احتساب قيمة الأراضي البيضاء، ونعمل حالياً على التفاوض لتغيير وضعها مع التخطيط العمراني، وإذا قمنا بتأجيرها فستضيع مبالغ كبيرة، ولكن منذ عامين قمنا بتغيير وضع بعض الأراضي.

واليوم بعد التخطيط والتصنيف، نبحث الفرص الاستثمارية لهذه الأراضي، وتبقى النسبة الكبرى من تلك الأراضي تعتبر فرصاً استثمارية ضائعة، كونها مازالت قيد التفاوض لتغيير أوضاعها، والكرة في ملعب التخطيط العمراني الذي لدينا معوقات كثيرة.

"الوطن": لماذا لا يعلن عن إيرادات واستثمارات الأوقاف بالموقع الإلكتروني للحث على المساهمة في الوقف لأن الشفافية تعزز العمل؟

- السبع: يمثل مشروع بوابة العقارات الوقفية الاستثمارية www.jwdgate.com، أحد المشاريع العصرية الرائدة التي أطلقتها إدارة الأوقاف الجعفرية لعرض العقارات الوقفية الاستثمارية على الجميع عبر شبكة الإنترنت بشفافية، حيث تسعى الإدارة لوضع إستراتيجية التداول العقاري الوقفي والمساهمة الفاعلة عبر مشروع بوابة العقارات الوقفية الاستثمارية، والذي نأمل أن يساهم في تطوير العقارات الوقفية وإدارتها بصورة عصرية واحترافية بما يحقق تنمية الريع الوقفي.

وغني عن القول: إن إصلاح أنظمة تأجير الأراضي والعقارات الوقفية كان أحد الأولويات الرئيسة لمجلس الأوقاف الجعفرية الحالي منذ الأمر الملكي السامي لتعيينه، حيث ليس خافياً أن المجتمع لديه العديد من الملاحظات على آليات التأجير المتبعة في السابق، بخلاف النظام الجديد المتمثل في مشروع بوابة العقارات الوقفية الاستثمارية القائم على تكافؤ الفرص والشفافية، والذي نأمل تفعيله بصورة أكثر فاعلية من ذي قبل.

إنّ هذا المشروع الرائد يبرهن حرص إدارة الأوقاف الجعفرية على المضي قدماً في خططها لاستثمار الوقف وتنمية المجتمع، وأخذ مكانها في دعم عجلة التنمية الاقتصادية في المملكة، نظراً إلى ما تمتلكه من قاعدة عقارية واسعة، حيث أخذ مجلس الأوقاف الجعفرية على عاتقه المساهمة الفاعلة في تنمية الريع الوقفي العائد من استثمار القاعدة العقارية الكبيرة والمتنوعة، وتذليل العقبات أمام الإشكاليات التي تواجه بعض العقارات، والسعي الجاد لإيجاد الحلول المناسبة، جنباً إلى جنب مع تحسين الأداء الإداري وتعزيز الإنتاجية وانتهاج الشراكة والشفافية في التواصل مع المجتمع، وكذلك ذوي الصلة بالأوقاف مباشرة من مساجد ومآتم ومستأجرين وجميع الأطراف المعنيّة بشؤون الوقف في وطننا العزيز.

"الوطن": هل من المعقول "اقتصادياً" أن يكون عائد ربع مليار دينار 6 ملايين سنوياً فقط؟

- بودلامة: أولاً يجب أن يتغير مفهوم الوقف في البحرين الذي ينقسم إلى سني وجعفري، ليصبح شأناً وكياناً واحداً؛ لأن تعامل الدولة مع صاحب الوقف بحسب طبيعته تجعل التطوير والتنمية أكثر صعوبة.

ومازلت أجهل.. لماذا هناك جهتا وقف وليس جهة واحدة مثل دول مجلس التعاون الخليجي، التي لديها مكونان ووقف واحد، وما يتسبب في تعطيل لمشروعات الوقف في السنية يعود بالأثر ذاته على الجعفرية والعكس، ولا بد أن يكون هناك إدارتان: إحداهما للوقف، وأخرى للنظر فيما هو أبعد من ذلك.

أما بالنسبة إلى سؤال واقعية عوائد الاستثمارات الوقفية، فأرد عليه بسؤال آخر، هو: هل المسؤولون عن الوقف من أهل الخبرة والتخصص في الاستثمارات؟ وسنجد أنهم بعيدون تماماً عن هذا الأمر، ولا يوجد بينهم متخصص في الاستثمارات، وأعود وأؤكد أن أفضل استثماراتهم كانت في الودائع البنكية كونها تتصف بالأمان.

إن الواقف الذي يقدم قيمة مالية يحتاج لأن يعرف كيف تدار تلك الأموال، وهل يتم استغلالها بكفاءة لكي تدر أكبر عائد من الوقف، فكثير من الواقفين تواصلت معهم فوجدتهم لا يعرفون شيئاً عن أوقافهم وكيف تدار.

كما أن عدم فصل الأوقاف عن وزارة العدل سيتسبب في استمرار مسلسل الاستغلال الكفء للأوقاف، ويجب أن تكون الأوقاف هيئة مستقلة عن وزارة العدل، تشمل إدارة متخصصة في الاستثمار. لا نريد اختصاصيين شرعيين فقط، ولكن خبراء اقتصاديين وكوادر لديها أفكار إبداعية.

للأسف، لا يوجد في البحرين مرصد للاحتياجات الوطنية، لكي يرصد ما يفتقر إليه المواطن سواء مستشفى أو تكنولوجيا، وكثيراً ما يحدث أن يحصل شخص على دعم من أكثر من مؤسسة خيرية ووزارة التنمية، وذلك بسبب عدم وجود جهة رصد موحدة.

الوقف لدينا يستطيع خدمة أهداف التنمية المستدامة التي وقعت عليها البحرين، وهناك أنواع من الأوقاف تبين سماحة ديننا، ولا يقتصر الوقف على مسجد وقبر، ونريد إستراتيجية عامة تتماشى مع خطة عمل الدولة وهيئة استثمارية تشرف عليها، وفصل الأوقاف عن وزارة العدل.

"الوطن": كيف يمكن الترويج للوقف كما يحدث في أمريكا وأوروبا، حتي يتحقق النماء في الأوقاف؟

- لوري: لا بد أن يكون لدى الأوقاف جهاز إعلامي يقوم بتعريف الناس بالوقف ومشاريعه لحث الراغبين على الوقف، كما يجب إتاحة الفرصة لتدريس أمور الوقف والأوقاف في الجامعات أسوة بالدول الغربية، ثم السماح للجامعات بفتح هذا الباب، فجامعة أوكسفورد أوقفت حوالي 7 مليارات دولار، وكمبريدج أوقفت 5.6 مليارات دولار، ويستفاد حالياً من هذه الأوقاف في جائحة كورونا.

أعتقد أنه يجب أن يكون للحكومة دور رقابي وتوجيهي على غرار النظام البريطاني، وهي المفوضية العليا للأعمال الخيرية البريطانية ويسمح للجمعيات العمل، ولا مانع من إشراف الحكومة، لكن يجب أن تعطي مجالاً أوسع للأوقاف للعمل والاستثمار، ودعم احتياجات المجتمع.

- السبع: نسعى بشكل حثيث في الأوقاف الجعفرية لنشر الثقافة الوقفية والمبادرات التي تقوم بها الإدارة، والتواصل الحثيث مع المجتمع عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، وعقد المنتديات الدورية التي تقام بمشاركة إدارات المآتم والحسينيات، وتعزيز الشراكة المجتمعية مع الجهات الرسمية وممثلي السلطة التشريعية والمجالس البلدية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك المتابعة المستمرة لملاحظات المجتمع عن الأداء الوقفي والاستجابة الفاعلة مع مرئيات المجتمع فيما يخص قضايا الوقف، وتحقيق ما يمكن إنجازه بما يتناسب مع الإمكانات والقدرات المتاحة، وجميع هذه المبادرات ستنعكس إيجاباً على تعزيز ثقة المجتمع في الأداء الوقفي على النحو الذي يتطلع إليه الجميع.

"الوطن": لماذا لم تنشئ الأوقاف السنية شركة للاستثمار العقاري؟

- مطر: توجه مجلس الأوقاف السنية ودرس الموضوع، وأحيل إلى وزارة العدل، لكن الوزارة رفضت الفكرة؛ لأن "الأوقاف" هي إدارة تابعة للوزارة، ولا يسمح القانون بإنشاء شركات تابعة لها في النظام الحالي، وهناك محاولات من الرئيس الحالي لتكون الأوقاف هيئة مستقلة، أو أن يكون كل من السنية والجعفرية تحت إدارة مستقلة واحدة.

"الوطن": كان لدى الأوقاف السنية مشروع لبناية أنشئت على أرض فضاء قرب الإدارة، ما مستجدات المشروع؟

- مطر: البناية تضم حالياً قرابة 1000 موقف سيارات بالإضافة إلى 11 طابق مكاتب، ومعارض تجارية بتكلفة إجمالية 7 ملايين دينار، وحصد جوائز من الخارج على الفكرة، والعائد المفترض منه ما بين مليون و1.2 مليون دينار سنوياً، وحالياً يدر حوالي 700 ألف بينما يجري العمل على تأجير كافة المساحات به.

"الوطن": ألا يزال الاستثمار في الأراضي دون تطويرها أحد أبرز معوقات تنمية الوقف؟

- السبع: للإدارة إسهام فاعل في العديد من المبادرات الوطنية، ولا سيما خلال فترة جائحة "كورونا". أما على صعيد المشاريع فهناك العديد من المبادرات قيد الدراسة، وبعضها طرح خلال السنوات الأخيرة، ولكنه بحاجة لدراسة جدوى معمقة، وخصوصاً في ظل المتغيرات المتسارعة في القطاع العقاري والاستثماري.

"الوطن": ما هي المعوقات التي تمنع الاستثمار الأمثل للأوقاف؟

-السبع: هناك عدد من المعوقات ومنها عدم توافر المبالغ المخصصة للاستثمار؛ لأن كل وقف له إيراداته واستثماراته الخاصة به، وليست في نطاق صندوق مشترك واحد، بالإضافة إلى ذلك توجد بعض التحديات الفنية والتنظيمية الأخرى، والإدارة في تواصل مستمر مع الجهات الرسمية المختصة بشأنها.

كما أن الاستثمار الوقفي قائم على مبدأ عدم وجود أي مخاطرة كبيرة؛ للحفاظ على رأس المال والأصول الوقفية لضمان استدامتها.

- مطر: سأعطي مثالاً على قطعة أرض في سلماباد تكاد تكون أرضاً بيضاء، ومؤجرة بمبلغ زهيد، لكن بعد التصنيف الذي استغرق وقتاً طويلاً، بدأنا تأجيرها كمناطق صناعية، ونجحنا في مناطق أخرى، مثل عين عذاري وسار، ولا نستطيع حصر حجم الأراضي التي تحت يد الأوقاف؛ لأنها تظل مجهولة بسبب التخطيط الذي ربما يغير في مساحاتها، أما التي تم تخطيطها فتكون قيد الاستثمار المباشر.

كان لدينا أرض مؤجرة بقيمة 80 ديناراً، لكن مجلس الاستثمار في ذاك الوقت الذي ضم مصرفيين وخبراء، مثل عبدالحكيم الخياط، وهشام جعفر ويوسف تقي وعدنان عبدالملك قدموا مبادرات لتغيير أسلوب الاستثمار، واستطعنا أن نغير تصنيف قطعة الأرض، وتم بناء 9 بنايات عليها تضم 170 شقة بمدخول 50 ألفاً إلى 60 ألف دينار شهرياً، وهذه من ضمن المشاريع الجديدة، لكن يبدأ الاستثمار عادة بعد تخطيط الأرض.

وأتذكر كلمة للمصرفي عبدالحكيم الخياط الذي عايش المعوقات التي تعطل الاستثمار الوقفي، حين قال: "خضوع الأوقاف لسيطرة وزارة وإجراءات معينة يعطل كثيراً من المشروعات المبتكرة".

"الوطن": ولكن ماذا عن الترويج للوقف؟

- مطر: قمنا بأكثر من مبادرة ترويجية، وكان من أبرزها تصميم لوحة بأسماء الواقفين وتكريمهم أو تكريم أحفادهم في حفلة، ووضعنا خطوات أخرى حيث وزعنا كوبونات في المجمعات، ونريد إنشاء قسم للعلاقات العامة، مثل وزارة العدل، لكن تحكمنا محدودية إدارة الوقف وعدم القدرة على توسعة إداراتها، ولا بد من أخذ الموافقة من الوزارة. نريد الانطلاق لكن لا نستطيع.

- بودلامة: الحجم الإداري والهياكل في الأوقاف كلها عبارة عن شؤون إدارية أكبر مسؤول فيها "رئيس قسم" ويوجد فقط مدير عام واحد، وهو ما يؤثر على حجم الموظفين، الذي أصيب بتقليص كبير بعد تطبيق التقاعد الاختياري، والذي تسبب في تسرب 30% من العاملين بالأوقاف السنية، وهم الذين يمتلكون الخبرة، بل تم إلغاء المسميات الوظيفية لهؤلاء، وعدم إحلال آخرين مكانهم.

"الوطن": كشفت جائحة كورونا أن الاستثمار العقاري غير مناسب حاليّاً، فما هي الاستثمارات الأفضل في الوقت الراهن؟

- بودلامة: أود التنويه بشأن قضية الترويج والإعلام، إلى أن إدارة الأوقاف الجعفرية منفتحون ويتمتعون بالصراحة، حيث وصف رئيس الأوقاف الجعفرية وضع الوقف بـ"الموت السريري"، ووصفه رئيس السنية بأنها "كما الشخص الذي يسند جداراً آيلاً للسقوط.. لو رفع يده لسقط الجدار"، وهناك دراسة للدكتور حبيب النامليتي بعنوان "الصورة الذهنية للأوقاف وثقة الناس في الأوقاف وانعكاسه على المجتمع".

ودراستي أثبتت أن الوقف لا يرتهن بمكان جغرافي محدد، وهذا ما ذكره العديد من المستطلعة آراؤهم، بأنهم يؤيدون الوقف خارج البحرين؛ لأنه أرخص ويريدون رضا الله عنهم، واستقطبتهم مؤسسات أخرى بفكرة شراء كوبون ليكون شريكاً في الوقف الكبير، وأبرز مثال على ذلك مستشفى 57357 في مصر، الذي يعد أكبر المتبرعين فيه من المملكة العربية السعودية والخليج العربي، ولم يأت ذلك من فراغ، ولكن نتيجة كثافة الإعلانات المطروحة حول التبرع لهذا المستشفى.

"الوطن": هل سنرى يوماً إعلاناً عن مشروعات الأوقاف السنية أو الجعفرية على قناة فضائية مثل mbc؟

- مطر: أتمنى ذلك، ولكن تبقى المخاوف من عدم موافقة الوزارة على الفكرة، بسبب الهيكلية الخاصة بالإدارة.

وعلى صعيد المشروعات الخيرية، كنا ندرس خلال الأيام الماضية فكرة إنشاء مستشفى، ونقوم أيضاً بشراء أجهزة طبية والتبرع بها لمستشفيات حكومية ومساعدة المحتاجين للعلاج خارج البحرين، وحتى داخلها.

"الوطن": هل يأتي إليكم المحتاج أم تبحثون عنه؟

- مطر: نحن نستقبل المحتاجين فقط، ولدينا باحثات اجتماعيات يذهبن للمحتاجين، ونتواصل مع الجمعيات الخيرية للتنسيق في المساعدات، وهناك جهود طيبة في هذا التعاون والتنسيق.

"الوطن": هل يمكن تحقيق شراكة بين دول الخليج لإنشاء وقف كبير يخدم قطاعاً عالميّاً كما ذكر لوري؟

- لوري: على المستوى الفردي أقيمت في السعودية، حيث قامت مؤسسة الراجحي بالاستثمار في أراض شاسعة بالسودان، واستطاعات أن تخلق فرص عمل في بلد عربي فقير وتنمي الوقف في ذات الوقت، وهنا تبرز أهمية إسهام الوقف في خلق فرص عمل وتدوير مصانع وعمليات نقل وتسويق وتجارة تخدم قطاعات واسعة في المنطقة.

ونتمنى أن يبدأ الأمر في البحرين أيضاً، وأذكر هنا وقفاً في بريطانيا مخصصاً لمنح دراسية للمتميزين حول العالم من غير البريطانيين للدراسة في جامعة أوكسفورد، التي تخرج فيها حوالي 8500 قيادي حول العالم، ومن أبرزهم رئيس وزراء كندا عام 1949، وبيل كلنتون الذي تخرج فيها عام 1968 وأصبح رئيس أمريكا، وأتمنى أن يكون لدينا مثل هذه الأوقاف على الصعيد المحلي.

وهنا يجب التنويه إلى أن هذه المبادرات لا تلغي عمل مؤسسات المجتمع المدني؛ فالجميع يتكاتف لتقديم العون، ولا يوجد دولة في العالم تستطيع بمفردها تلبية كافة احتياجات المجتمع، وهنا يأتي دور الأوقاف ومؤسسات المجتمع المدني.

"الوطن": هل نحتاج لتشريعات جديدة أو تحديث للتشريعات الحالية لكي يتطور الوقف؟

- لوري: بالفعل نحتاج لتشريعات كثيرة، وأذكر أن الشورية دلال الزايد قدمت مقترحات لتعديلات على قانون الوقف، لكنها لم تشهد أي تقدم، وهنا أطرح مثالاً للتعديلات القانونية للسماح بالوقف في بريطانيا لمؤسسة "هنري ولكوم" التي أعتبرها وقفية استثنائية من حيث الشكل القانوني والتعريف الإداري، ودستور المؤسسة واستقلاليتها وخصائصها الإدارية، والتخطيط الإستراتيجي والقيم التنظيمية للمؤسسة، فقد بلغت أصولها في السبعينيات 15 مليار جنيه إسترليني، وكانت أكبر مؤسسة في العالم تضخ سنوياً 720 مليون جنيه، وأنشأت معهد أبحاث سرطانية في 1982 ومعهد أبحاث جينية في 1992، ومكتبة طبية، وكل ذلك أنشئ من مؤسسة تجارية لرجل لم يكن لديه أبناء وأراد أن تكون مؤسسة وقفية تجارية، لكن القانون لم يكن يسمح بذلك، فتم تعديل القوانين لأن تلك المليارات كانت ستضيع على المجتمع، وإلى اليوم المؤسسة موجودة، ولها قسم في متحف لندن.

نحن لا نرفض أن نكون تحت مظلة القانون، لكن عندما يتعارض مع مصالح المجتمع يجب تعديل القانون، وإذا تم التعديل فسنرى العديد من المتبرعين.