ما أحوجنا اليوم لنقف على معاني الرجولة الحقيقية التي تمثلت في الفاروق عمر - رضي الله عنه ذلك الإمام العدل والرجل الصلب صاحب المواقف المشهودة، والشخصية الفريدة، والسيرة المثيرة، عرف بشجاعة مفرطة، وتضحية من أجل دين الله صادقة، وإيمان بموعود الله متين، وعقل رصين، ذلك الوقّاف عند كتاب الله والمستن لسنة رسول الله، الخليفة الثاني بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي أُمِرنا بالاقتداء به وانتهاج سنته، قال رسول الله: ((اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر)) رواه أصحاب السنن وصححه الألباني. نتحدث عن الرجولة في زمن أحوج ما نحتاج فيه إلى الرجال، فالرجولة ليست جنساً في هوية تحدد بعد ولادة الإنسان، وإنما هي أقوال وأفعال ومواقف، كما قال الله تعالى: “رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار”، نستلهم العبر من حياته، ونستحضر الفِكر. عرف قبل إسلامة بشخصيته القويّة فكان بطلاً من الأبطال وتمثل ذلك في قوته في البطش، وشجاعته في الرأي حتى هابه الناس، ولم يسلم منه المسلمون من الضعفاء ممن أسلم بادئ الأمر، لكن العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وربنا إذا أراد أمراً هيأ أسبابه حتى أتت اللحظة المباركة، فقذف الله في قلبه نور الإسلام، وشعت الهداية في نفسه. وفي قصة إسلامه روي أنه سمع النبي يقرأ سورة الحاقة وهو يصلي عند الكعبة فأعجب بالقرآن وما فيه من تعاليم، وبديع سبكه وفصاحته فقال في نفسه: هذا شاعر، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الحاقة:41-43]، فكانت بداية شروق نور الإيمان في قلبه، وهنا فائدة تربوية دعوية فمهما بلغ الإنسان من سوء لا تيأس منه ولا تحتقره فما يدريك لعل الله يقلب قلبه فينفع الإسلام ويكون عند الله أعلى درجة منك. أسلم فكان آيةً في الإسلام، عزّ المسلمون بإسلامه، كان إسلامه مملوءاً الحكمة والصدق واليقين، حتى قال عبدالله بن مسعود: (ما زلنا أعزةً منذ أسلم عمر)، ولما أسلم كره الاختفاء بهذا الدين أو أن يستره ولا يظهره فأشهر إسلامه بين الناس، ففرح المسلمون واغتاظ الكفار لذلك، وهذا أول معنى من معاني الرجولة فكم نحن بحاجة إلى رجال المواقف الذي يجاهرون بما يعتقدون، وليسوا من أولئك المتذبذبين الذين ليسوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. كان عمر لا تأخذه في الله لومة لائم، يقول الحق ويعمل به شديد على أعداء المسلمين من الكفار والمنافقين له مواقف متناهية في العظمة حتى أنها حفرت في التاريخ، أبغضه من أبغضه إلى يومنا هذا لكنه لم يضره ذلك لأنه يعلم بأن أولى ما يُسعى إليه هو تحقيق رضا الله فإذا صح منه الودّ فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ. إنه عمر بن الخطاب، حامل لكل فضل وخير، وقد ضرب في كل باب من أبواب الخير بسهم، تعددت فضائله، وسنقف مع معاني أخرى مهمة لرجولته في سيرته في الأسبوع القادم، ومثل هذه السيرة خير من غيرها مما يُصرف إليها الأبناء ويُنشّأ عليها الصغار في مدارسنا، لكي يتشبه به الكبار قبل الصغار، وكما قيل: فتشبّهــــوا إن لم تكونــــــــــوا مثلهم إنّ التشبّــــــــــــهَ بالكــــــــــرام فــــــــــلاح