^   لا غرو في أن تسعى كل دولة لتحقيق مصالحها في تحركاتها الخارجية وعلاقاتها بالدول الأخرى، فالهدف من السياسة الخارجية هو إقامة شبكة جيدة من العلاقات تساعد في تحقيق تلك المصالح وتعظم من مكاسب جميع الدول بالنهاية. والمفترض، والأمر على هذا النحو أنه كلما تعددت العلاقات بين الدول وتفاعلاتهم كلما تعاظمت مكاسبهم جميعاً، وهو أمر لم يعد متحققاً أو قائماً على أرض الواقع وذلك لغلبة الأثرة والاستئثار والحرص على اغتنام الفرص بكل وسيلة كانت مشروعة أو غير مشروعة وتصدير الخسائر والأزمات إلى الدول الأخرى، ففي مجال العلاقات بين الدول لم يعد هناك مجال للقيم والأخلاقيات والمثاليات، بل إعلاء المصالح الذاتية والأنانية وعدم الاكتراث بالآخر. وقد جاءت المملكة العربية السعودية لتقدم دول العالم نموذجاً في العلاقات الدولية التي يجب أن تسود بين دول العالم وذلك من خلال تعاطيها مع الأزمة السورية التي تمثل إلى الآن “عاراً” في جبين دول العالم التي تتوارى بعيداً عن التدخل الفعلي الحاسم لإنهاء مأساة شعب أعزل يواجه حرباً شرسة من نظام قمعي فاسد. سلكت المملكة العربية السعودية مسالك عدة، واتخذت خطوات وقرارات مهمة من أجل نصرة الشعب السوري وإنهاء الحرب المفروضة من قبل نظام بشار الأسد وباستخدام أشد الأدوات والمعدات فتكاً. وقد اتسم الموقف السعودي بالشفافية والصراحة والحسم والوضوح والبعد عن المراوغة، كما تميز بأنه كان معبراً عن صوت الشارع السوري والعربي ومتوافقاً مع متطلبات كل مرحلة من مراحل الأزمة حتى الآن. والملاحظ أيضاً أن التحركات السعودية عكست فهماً عميقاً للبيئة والمعطيات الإقليمية والدولية وحاولت قدر المستطاع توجيهها لصالح حل الأزمة السورية. فقد كانت البداية هي النصح والمشورة السعودية للأسد كي يستجيب لمطالب شعبه بإدخال إصلاحات داخلية دون تدخلات خارجية وبما لا يطيل من أمد الأزمة أو يعقدها بوقوع المزيد من القتلى والجرحى ويدفع إلى الخيارات العسكرية. ثم كانت التحركات الدبلوماسية والتحذيرات العلنية في أغسطس الماضي، عندما أعلنت السعودية عبر عاهلها سحب سفيرها من دمشق للتشاور. وقال العاهل السعودي في بيان إن “مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، لا سمح الله”. وجاءت خطوة سحب المراقبين السعوديين من بعثة المراقبين العرب في سوريا في يناير الماضي لتقول لدول العالم إن الحكومة السورية ليس لديها النية في وضع حل للأزمة أو الانصياع لخطة الحل العربي التي تهدف أساساً إلى حقن الدماء السورية التي تسفك يومياً، ولتدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته في ممارسة كل ضغط ممكن لدفع سوريا للالتزام بخطة السلام. وفي 10 فبراير الماضي، تقدمت السعودية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروع قرار يدعم خطة السلام العربية في سوريا بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض “الفيتو” ضد نص مماثل في مجلس الأمن الدولي. وعندما اتضح أن روسيا تقف كعقبة رئيسة أمام حل الأزمة في سوريا عبر إساءة استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن لتحول دون اتخاذ قرارات حاسمة باتجاه إنهاء الأزمة في هذا البلد الغارق في العنف والمهدد بحرب أهلية، أكد العاهل السعودي خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي يوم 22 فبراير الماضي، أن السعودية لا يمكن إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه ما يحدث فى سوريا، وأنه لا جدوى من أي حوار بعد استخدام الفيتو الروسي فى مجلس الأمن. ويبدو أن هذا الموقف السعودي الواضح أثمر عن تغير في الموقف الروسي من الأزمة السورية، حيث صوتت موسكو بعدها لصالح إصدار بيان من مجلس الأمن الدولي دعا السلطات السورية إلى أن تستقبل بشكل فوري منسقة الأمم المتحدة للمعونة الطارئة “فاليري آموس” وأن تسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق في سوريا. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ سبعة أشهر التي يتمكن فيها مجلس الأمن من إصدار بيان عن الوضع في سوريا. كما صرح بعدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لا تربطها علاقة خاصة بالرئيس بشار الأسد، وأن الأمر متروك للشعب السوري لكي يقرر من يحكمه. وأعرب بوتين عن قلق موسكو إزاء أوضاع حقوق الإنسان المروعة في المدن السورية مثل حمص. وأخيراً، طرحت السعودية وكذلك قطر فكرة تسليح المعارضة السورية في محاولة لإحداث نوع من التوازن في القوة بين نظام بشار وأسلحته الثقيلة والفتاكة وبين المعارضة وإعطاء الأخيرة دعم يمكنها من الدفاع عن نفسها وعن الشعب السوري الأعزل في مواجهة البطش “البشاري” الأعمى. من الواضح أن السعودية تسير في الاتجاه الصحيح وقد تؤدي بالنهاية إلى وضع حل مرض للأزمة السورية شريطة تجاوب المجتمع الدولي والبعد عن السلبية الواضحة والأنانية المفرطة في التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم المعاصر