ترددت كثيراً في كتابة هذه المقالة بسبب حساسية الموضوع وكذلك الخوف أيضاً في ما قد يجلبه من نتائج قد تكون عكسية أو تفهم بشكل خاطئ وتضر بعض ممن قد يعنيهم الموضوع، ولكي لا أطيل عليكم ساتجه مباشرة نحو صلب الموضوع، فباختصار تنتشر ظاهرة حقيقية لا أعتقد أنها تمت إلى البائعة الجائلين كتصنيف حيث لا يمكننا أن نضع أبناء البلد والباعة الجائلين تحت بند واحد.

بصراحة، فإن مشهد بائع الماء عند الإشارات من أبناء بلدي يعصر قلبي حتى لو أني شخصياً مع مبدأ «الشغل مو عيب»، لكن جلست أفكر طويلاً ما الأسباب التي دفعت شباب في مقتبل العمر بامتهان بيع الماء والفواكه عند الإشارات الضوئية والدوارات، ما يؤكد وجود قصور مجتمعي كبير لربما جزء منه يعود إلى وزارات الدولة خصوصاً أنه هناك وزراء لا يتبعون سياسات الباب المفتوح أو حتى في الأماكن العامة أو حتى يمتلكون المجالس المفتوحة لخدمة المواطنين، فأين شعارات الوزير موظف لدى الشعب..!!!

وحتى لو تبنى التجار ووجهاء البلد مبدأ المشاركة وتوظيف أبناء البلد، فبكل تأكيد أن هذه النوعية من الشباب تحتاج إلى دعم وتأهيل، خصوصاً وأن هذا الشاب قد يعاني ولم يجد القناة الصحيحة لتوجيهه، للاستفادة من مكتسبات هذا البلد المعطاء والذي خصص أبواباً شتى لكل أنواع المساعدات والدعم والتوظيف.. ففي اعتقادي أن الموضوع يحتاج تأهيلاً نفسياً واجتماعياً قبل أن يكون له حلولاً رادعة قد تقطع أرزاق هذه الفئة والتي لا أتمنى أن أكون - معاذ الله - أنا السبب في هذه الأمور!!!

لا يمكن أن نقبل لهذه الأرض الخيرة والتي فتحت لنا أبوابها وجعلتنا من أكثر الشعوب المتحضرة، عدم اهتمام المسؤولين فقط لكونهم وزراء وتنفيذيين عن دار الحكومة الموقرة، وذلك بأن يكتفي بتوقيع حزمة قرارات وهو جالس على كرسي الوزارة بدون فكر خلاق والخروج عن النمط الوزاري المعتاد أو حتى التفكير خارج الصندوق لكي يحمي نفسه من المحاسبة البرلمانية بقلة إنجازه أو التحجج بضعف الموازين والصلاحيات ونحن على علم أن حجم الصلاحيات لدى الوزراء في خدمة الشعب سقفها قد يصل إلى ناطحات السحاب..!

إذاً، ليس من المقبول أبداً ترك أبناء البلد يمتهنون الوظائف المتدنية بحجة أنهم لم يتقدموا إلى معارض التوظيف أو بسبب عزوفهم النفسي بالانتظام في الأعمال المسجلة والمؤمنة وحضرة المسؤول يقبع في مكتبه المغلق وهو يتمتع بالقلم «دنهل» في أصابعه يتباهى بعظمة توقيعاته ولا نرى بوادرها الفعلية على أرض الواقع إلا انتهاج استراتيجية «مشي اللعب»!!!

إن أثر تربية الشباب عبر إدخالهم في برامج نفسية واجتماعية بالإضافة إلى استحقاقهم لرواتب الإعانات حتى يشتد عودهم ويتم إدماجهم في المجتمع بوظائف حقيقية أو حتى حكومية، ليس برنامجاً سحرياً أيها المسؤولين، حيث إننا بهذا نعكس المظهر الاقتصادي للبلد، فبدلا من التوظيف على أساس المحسوبية في سلك الوزارات وأروقة المؤسسات، فإن هناك شريحة من المجتمع لها أيديولوجيات فكرية بسيطة لا نستطيع إلا أن نتبناها ونخصص لها بعض الوظائف البسيطة ذو أوقات دوام معتدل بدلاً من استئثار هذه الوظائف للأحباب!!

* سيدة أعمال ومحللة اقتصادية