أجزم بأن كثيراً منكم وجه له في يوم من الأيام السؤال التالي، سواء من قبل والديه أو جديه أو حتى من صديق ناصح، وأعني به السؤال: «لماذا خلقت للإنسان أذنان، وفم واحد»؟!

الإجابة الشهيرة كانت بأن للإنسان أذنين حتى يسمع بهما أكثر مما يتكلم عبر فمه الواحد، وبعدها شرح وسرد لفوائد قلة الكلام، وعدم الخوض في كل شيء، وأهمية تغليب جانب الإنصات والاستيعاب على المسارعة في الكلام.

طبعاً ناهيكم عن الأحاديث الشريفة التي تنصح البشر بضرورة الانتباه لما يصدر عنهم من أقوال، وكيف أن هناك أناساً يكبون على وجوههم في النار حصاداً لألسنتهم، وكيف أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

كل هذه الأمور مرتبطة بزلات اللسان، وهذه الزلات تحصل بسبب تسرع البشر، والفضول الذي يسري في بعضهم مسرى الدم، بحيث يجب أن يكون له كلام في مكان، وأن يخوض ويفتي في كل شيء، لتصل به الأمور ليحول لسانه وكأنه سيف مسلط على الناس قد يخوض في أعراضهم، وقد يقذفهم ويشتمهم.

لذلك كانت النصيحة دائماً بضرورة أن يفكر الشخص ملياً قبل أن يقول أي شيء، فالصمت أحياناً يكون حكمة، والتأني في القول أساس ليخرج القول منزهاً عن الزلل والخطأ وانعدام الفائدة، فكم من مشاكل وصدامات وحتى أزمات كانت نتيجتها التسرع في الأقوال والركض والمسارعة لتصدر المشهد بالكلام، حتى بين أفراد العائلة الواحدة تحصل، حتى بين زملاء العمل، وفي كل الأوساط، حينما يكون الكلام موسوماً بالتسرع ومجرداً من التفكير وحساب تداعياته، تحصل الكوارث والأمور التي يأسف عليها الإنسان لاحقاً حينما يجلس مع نفسه ويقيم الأمور.

بالتالي النصيحة لنا جميعاً بأن نقيم الأمور قبل الإدلاء بالآراء والجزم بالأقوال، خاصة في المجالس والأوساط المجتمعية، والآن في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ نحن في الصحافة نقول بأن الكلمة حينما تخرج من القلم صعب إعادتها إليه، إذ أصبحت فعلياً جزءاً من التاريخ، وكذلك الكلام حينما يُطلق هكذا بلا تفكير أو تمعن يتحول مثل الرصاص الذي لا يمكن إعادته لخزانة المسدس.

في النهاية تصدق المقولة دائماً، إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، خاصة لو كان الكلام متهوراً مندفعاً غير مدروس وغير ذي فائدة من أساسه.