عند مقاربة الخطابات السائدة في مجتمعاتنا العربية في الوقت الحاضر، تظهر بجلاء حالة استقطاب حادة بين مستويين من هذا الخطاب: الأول: خطاب الاحتجاج «ولا شيء غيره» والثاني خطاب الامتثال «ولا شيء غيره»، لنكون في النهاية، إزاء خطاب متطرف في الانتقاد، وآخر متطرف في المدح والتجميل، وما بينها خطابات تجمع بين الأول والثاني.

وعند تفكيك الخطابين –خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي– بهدف فهم كيفية اشتغالهما في مجمل المشهد، نجدهما متطابقين بالرغم من تناقضهما في الهدف، لأنهما لا يتوقفان عند محطة التحليل والنقد والاقتراح، ولا يريان إلا لوناً واحداً «الأبيض أو الأسود فقط»، وهما بهذا المعنى خارج نطاق التأثير في الواقع بشكل إيجابي.. فالخطاب الاحتجاجي المطلق لا يعبأ في الغالب بحدود المهام التي يمكن إنجازها في كل مرحلة، وبذلك يصبح عقبة مظللة على المهام التاريخية، خاصة إذا كان عنيفاً في مستوى تمثله الانفعالي اللحظوي. والخطاب الامتثالي يمارس ضرباً من تجميد السّائد والتماهي معه والنظر إليه بعين الرضا والقبول في جميع الأحوال، بما يعني أنها تحصيل حاصل وغير مفيد في النهاية. صحيح أن الاحتجاج والنقد الجارح من ناحية، والمدح والتزيين المبالغ فيهما، من ناحية ثانية، يعكسان حالة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في كثير من الأحيان، لكن السياسة في عمقها تقوم على الموازنة بين التطلعات وبين الممكن في الواقع، بين المطالب المشروعة وكيفية عقلنتها ومواءمتها مع حياة الناس ومصالحهم ومعاشهم وطاقة احتمال هذا الواقع، ومراعاة متطلبات تغير الأحوال والإكراهات المؤثرة. ولذلك فإن أخص ما نحتاجه اليوم هو المواءمة بين هذا الطموح المشروع، وبين الممكنات في كافة المجالات، من خلال ما يمكن أن نسميه بتعزيز قوة الاقتراح في المجتمع «وهو ما تفعله البرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها..»، لتطوير حياتنا وأوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وهذا يستدعي توجيه الخطاب لتحقيق هذه المؤامة الإصلاحية الهادئة والهادفة إلى ما يخدم المجتمع، بدلاً من العمل على إدخاله في دائرة الفوضى بالاستنفار الدائم للأيديولوجيا وتوظيف الخطاب التعبوي، مما ولد في الغالب تجارب أكثر ارتباكاً وأقل إيجابية في معظم البلاد العربية.

* همس:

ضع يديك على القلب،

على نافذة الجدار الشمالي.

افتح طريقك، وقل: أهلاً.

عانق بقايا السنين،

وأسأل:

لمن تُقرع الأجراس

هذا المساء؟