الأفلام الوثائقية أو المقابلات الاستثنائية التي تتضمن كشفاً لحقائق كانت مخفية لزمن بسبب خصوصيتها أو حساسيتها، أو إخراج وثائق ومعلومات حصرية كانت بداخل الصناديق السرية المحفوظة، هي مواد تستجلب اهتمام شرائح كبيرة، لما تتضمنه من إماطة اللثام عن المستور وتصنع دائماً موجات من ردات الفعل في كلا الاتجاهين، وتخلق في الوقت نفسه فهماً لعديد من الأمور التي كانت مبهمة، وكذلك تضع النقاط على الحروف بشأن أدوار أطراف رئيسية في القضايا، بعض هذه الأدوار كانت خفية.

لذلك كان الصدى الواسع للمقابلة ذات الأجزاء الثلاثة التي أجرتها «قناة العربية» مع الأمير بندر بن سلطان الأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطني السعودي، وسفير الشقيقة السعودية لدى الولايات المتحدة قرابة 22 عاماً.

المثير في حديث الأمير بندر هو كشفه كثيراً من التفاصيل الدقيقة في ملفات كنا نعرفها بعناوينها العامة أو بما تتناوله وسائل الإعلام بما هو متاح للنشر، وبالأخص ملف القضية الفلسطينية، وهو الملف الذي بيّن فيه الأمير بندر كيفية تعقد ظروفه وكم من فرصة ضاعت لحل كثير من الأمور التي كانت ستحقق للجانب الفلسطيني وضعاً أفضل مما هو عليه الآن، والأهم بيّن الأمير بندر الدور التاريخي الكبير الذي لعبته المملكة العربية السعودية لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز وصولاً للملك سلمان حفظه الله، الدور القائم على الأفعال والحراك الدبلوماسي الجاد والدعم المالي واللوجستي اللامحدود، وليس دوراً يرتكز على الشعارات الرنانة الزائفة المفتقرة للأفعال الجادة، ولهدفها المريض باستنهاض البسطاء ومن يغرر بهم بسهولة لطعن وشتم من يقف معهم بأفعاله الواضحة.

كلام الأمير بندر أوجع كثيرين، وخاصة ممن ضيعوا الفرص لحفظ حقوق الفلسطينين، وممن كان شغلهم الشاغل امتصاص خيرات دول الخليج وأموالها والتعكز على ثقلها السياسي بغية المصلحة الشخصية على حساب القضية العادلة، هذه القضية التي لو انتهت وحلت تشابكاتها منذ البداية لما وجدتم أشخاصاً يدعون النضال وفي حساباتهم ملايين ومليارات، ويكفي التدقيق في أوضاعهم الشخصية سواء الحاليين أو السابقين ليفاجأ كثيرون بتناقضات مهولة، وكيف يمكن أن يكون المناضل مليونيراً أو مليارديراً في الوقت نفسه، رغم أن ما يشرحه في العلن وللإعلام من ظروف يفيد بأنه لا يمكنه تأمين قوت يومه أو سلامته!

عموماً الحديث في هذه الأمور تحديداً، وخاصة لشخص مثلي كتب عن هذه القضية أكثر من 22 عاماً وانغمس في تفاصيلها ورأى تناقضات كثير من قياداتها واستغلالهم لتضامن الخليج معهم وشتمهم لقادتنا في المقابل، وتأييدهم غزو العراق للكويت وغيرها من مواقف مخجلة، الحديث في هذه الأمور يطول جداً، وهو حديث مؤلم لنا وفي المقابل مخجل ومعيب لكل من استغل القضية ممن يفترض أن يؤتمنوا عليها.

الأمير بندر شاهد على كثير من الأمور والتفاصيل والمعلومات التي كانت في إطار السرية، وحديثه اليوم غير كثيراً من القواعد التي تم الالتزام بها لأجل مصلحة قضايانا الرئيسية، وخيراً فعل، إذ لا يعقل بعد كل هذا الدعم والتضامن طوال عقود، وهو أمر مازال مستمراً، لا يعقل أن يخرج من سانده ودعمه ملوكنا وحكامنا ليتطاول عليهم ويجحد حقهم ويرتمي في حضن من يعاديهم.