تناول الزملاء كتاب الأعمدة خطاب جلالة الملك بالأمس بإسهاب مشكورين على ذلك إنما اخترت أن أقف عند عبارة من الخطاب هي من وجهة نظري ترسم مساراً هاماً في تحديد الرؤية المستقبلية للبحرين في عالم ما بعد كورونا ملخصة بهذه العبارة:

« وندعو في ذات السياق، المؤسسات الاستثمارية - الحكومية والخاصة - بتوجيه رؤوس أموالها إلى المجالات التنموية ذات القيمة المضافة، والتي أثبتت الأزمة الصحية أهمية وجدوى تطويرها، كمجال التحول الرقمي والاستثمار في القطاع الطبي وتأمين الاكتفاء الغذائي، وهي أولوية تستدعي أقصى درجات التعاون والتنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية».

جلالة الملك يضع في هذه العبارة العناوين الرئيسة للرؤية الاستراتيجية المستقبلية ويوجه السلطتين التنفيذية والتشريعية لترجمة هذه الرؤية عبر خطط وبرامج ومشاريع ومنظومة تشريعية تعكسها وتضعها موضع التنفيذ.

جائحة فيروس كورونا غيرت أولويات العالم كله ونبهت إلى ضرورة استعداد الدول إلى تحقيق الكثير من مقومات الأمن الغذائي والدوائي للتعامل مع احتمالات وسيناريوهات الغلق، وفي هذا المسار وجه جلالة الملك إلى تغيير أولوياتنا ونبه إلى ضرورة الاستثمار في التأمين الغذائي والدوائي، فكيف سنترجم هذا التوجيه؟

ما هي نوايا مؤسساتنا الاستثمارية الحكومية في تنفيذ هذه التوجيهات برؤوس الأموال التي تمتلكها فيما يتعلق بالأمن الغذائي والصحي (علاجاً ووقاية)؟

بمعنى أن جلالة الملك وجه أن تكون رؤوس أموال المؤسسات الاستثمارية الحكومية للداخل وذلك لتحقيق ذلك الاكتفاء وهذا يستدعي وضع تقييم حقيقي وصادق وشفاف لما نملك من مقومات الاكتفاء ومقومات التخزين ومقومات تعدد الخيارات.

ويستدعي وضع الحقائق على الطاولة أمام جلالة الملك عن واقعنا كزراعة وكأسماك وكلحوم وكدواجن وكخضار وكقمح، تقرير صادق يبين مواقع النقص والضعف والتصدي لمحاولات الاحتكار ومحاولات عرقلة تطبيق القوانين وتحديد جدول زمني لمعالجة هذا القصور.

وكذا الحال بالنسبة للدواء والوقاية الطبية وتأمينها للناس، فكيف ستحول الاستثمارات الحكومية رؤوس أموالها لهذه القطاعات؟

ثم ما هي رؤية السلطة التشريعية في هذا التوجيه وكيف ستترجمه إلى منظومة تشريعية تعمل على تغير وتبدل الأولويات التي أشار إليها جلالته؟

هل تشريعاتنا الحالية تخدمه؟ أم هناك تعارض مع التوجيهات نظراً لكون العديد من قوانيننا لم تتغير منذ عقود؟ هل يحتاج الأمر لمراجعة منظوماتنا مع تبدل الأولويات؟ أعتقد أننا نحتاج أن تكون مرجعيتنا الآن هي هذه المتغيرات التي حدثت ومثلما نجحنا في اجتياز الجائحة بأقل الخسائر أعتقد أننا مطالبون أن نتجه للمستقبل بالدروس التي تعلمناها وبالخبرة التي اكتسبناها وبالثقة التي كستنا في إماكنياتنا وطاقتنا وفي مواردنا البشرية.

لذا فإن النظر في الخطاب السامي والرد عليه لن يكون عبر لجنة تشكل من غرفتي التشريع كالعادة، بل الرد عليه هذه المرة لابد أن يكون عبر خطة وطنية تقدم له من بعد الجلوس بين السلطتين ومعهما تجلس المؤسسات الاستثمارية الحكومية وغرفة التجارة تمثل القطاع الخاص لوضع برنامج عمل وطني لا حكومي فقط، بل وطني يشمل جميع هذه الأطراف وتوضع أمام جلالة الملك خطة وطنية لترجمة هذه التوجيهات بجدول زمني يلزمها أمام الله وأمام المواطنين.

هكذا نقول لجلالة الملك سمعاً وطاعة.