المنامة – محمد الجدحفصي


يتقاسم العامل البنغالي جيجن، دورة المياه مع زملاء له من جنسيات مختلفة، في منزل متهالك من منازل منطقة النُّعَيْم بالعاصمة المنامة، مؤلف من ثلاث غرف تزدحم كلٌّ منها بأسرَّة متلاصقة، مع تكدس صرر ملابس العمال ومقتنياتهم الشخصية. وبينما يقيم في الغرفة الضيقة الواحدة 12 عاملاً، إلا أن جيجن يقول مبتسماً بأن الأمور طبيعية جداً.

ولكنها ليست كذلك على المستوى الصحي.

"التباعد الاجتماعي" والخصوصية في دورات المياه، أو التأكد تماماً من نظافتها إن كانت مشتركة، هي بعض من أهم التوصيات الصحية اللازمة للوقاية الأولية من الأوبئة، والتي جرى تأكيدها مراراً مع انتشار جائحة كوفيد-19. إلا أن هذه الشروط مفتقدة في المساكن العمالية العشوائية التي باتت مكاناً لتكدس العمال المهاجرين العاملين في المؤسسات المتوسطة والصغيرة، والعمالة غير النظامية المعروفة محلياً بـ"فري فيزا". فأصبحت بيئة خصبة لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بين العمالة الأجنبية في الفترة الأولى من وصول الجائحة إلى البحرين، فيما أسهم تأخر التوعية والوقاية بلغات العمال المتعددة في المزيد من العدوى.


فبينما انصبت رسائل التوعية الإعلامية للمواطنين بلغتهم العربية، والإنجليزية بدرجة ثانية؛ تأخر صدور أولى رسائل التوعية للجاليات الأخرى بلغاتها، ومنها: الهندية، والبنغالية، والبنجابية، والأوردو، والتقالو، والسواحيلي، وغيرها من لغات العمالة المهاجرة إلى النصف الثاني من مارس بحسب متابعة معدّ التحقيق، ما أدى إلى تغييب هذه الشريحة الواسعة من العمالة والتي تشكل 52.7% من السكان، بينما وصلت نسبة الإصابة بالفيروس في صفوفها في الشهور الثلاثة الأولى للجائحة في البحرين إلى 60% من إجمالي الإصابات.

وفيما أعلنت هيئة تنظيم سوق العمل في فبراير/شباط الماضي، أنها أرسلت رسائل نصية قصيرة SMS إلى كافة العمال الأجانب وأصحاب العمل لتنظيم فحوصات طبية عاجلة، إلا أن هذه الفحوصات لم تكن لتجدي نفعاً مع طبيعة سكنى هذه العمالة.

وبخلاف حملات التوعية الاعتيادية كالملصقات الإعلانية والمنشورات؛ أقرت البحرين في السابع من أبريل، وبعد مرور أكثر من 5 أسابيع على تسجيل أول حالة إصابة بالفيروس، إلزامية ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، وصاحب ذلك قيام عناصر من الشرطة بحملات تفتيشية وتوعوية مكثفة في مناطق تجمع العمال الآسيويين للتأكد من التزامهم بهذه القرارات.

وبطبيعة الحال لم تكن التوعية وحدها لتعالج أساس الموضوع، وهو الكم الكبير من مساكن العمال المخالفة التي عكفت الباحثة الأكاديمية ورئيسة مختبر البحث للعمران والسّكن في كلية الهندسة بجامعة البحرين وفاء الغتم، على متابعة الكثير من الظواهر المتعلقة بالتخطيط الحضري بشكل عام لمدة خمسة عشر عاماً، ومساكن العمال بشكل خاص، قائلة إن الحديث عن تهالك المساكن مهمٌ جداً، ولكن طبيعة المشاركة الكثيفة في المسكن الواحد، يفقد الساكنين المساحات الكافية للحد الأدنى قانونياً من التباعد الجسدي، إضافة إلى التشارك في الأسرّة بالنوم عليها بالتناوب، والتهوية الفقيرة، وكذلك دورات المياه السيئة في الأساس، كل هذا يجعل مساكن العمال العشوائية بؤراً مهمة لانتشار المرض.

تتبع الغتم الطويل لهذه المساكن يشير إلى أن المساكن التي بها أحواش، ويتحرك فيها الهواء، وتدخلها الشمس "نجد أن صحة أفرادها بالمجمل أفضل من تلك المغلقة من دون تهوية كافية".

مشكلة من دون اهتمام

لم تكن الجهات الرسمية في مملكة البحرين غافلةً عن المشاكل المحيطة بمساكن العمالة الآسيوية الوافدة، حيث تناولتها الصحافة على مدى عقدين تقريباً، واستضافت المجالس النيابية والبلدية العديد من النقاشات التي سعت لإيجاد حلول لهذه المشاكل، إلا أن النقاشات ما كانت تتجه إلى صحة العاملين الساكنين وسلامتهم، بقدر ما كانت تناقش احتماليات تعرض الأسر القاطنة بالقرب من مساكن العمال "العزّاب" لأخطار تهدد السلامة أو "الشرف"، أو حتى بسبب اختلاف الثقافات من حيث الملبس والمظهر العام. فلا يجد هؤلاء العمال غضاضة في الظهور في محيط سكناهم بإزار قصير يستر وسط جسدهم فقط كما هي الحال في بلدانهم، في مشهد غير مقبول محلياً.

وكان المجلس البلدي للعاصمة رفع في منتصف العام 2006 حزمة قرارات لتقييد وتقنين سكن العزاب في المحافظة التي اشتهرت بأنها أكبر مركز تجمع للعمال الآسيويين في البحرين، إلا أن هذه القرارات لم ترَ النور.

وفي فبراير/شباط من العام 2016 عبر المجلس التنسيقي لمحافظة العاصمة عن امتعاضه من انتشار المساكن العشوائية، وطالب بإنشاء مناطق سكن خاصة للعمالة المهاجرة بعيداً عن المناطق السكنية، إلا أن لجنة الخدمات بمجلس النواب أعلنت في نوفمبر من العام نفسه رفضها لتحديد مناطق معزولة لسكن العمال خارج المناطق السكنية مبررةً رفضها بأن ذلك يؤدي إلى "آثار اقتصادية وأمنية سالبة" وأنه يحتوي على "شبهة دستورية"، وسرعان ما انحازت الأجهزة الرسمية لهذا الإعلان إذ أيدت وزارات "العمل" و"الصناعة" و"البلديات" بالإضافة لغرفة تجارة وصناعة البحرين الرأي النيابي.

اهتمامات موسمية وسباق مكابح الفيروس

واليوم دفع تفشي فايروس كورونا المستجد في البحرين الجهات الرسمية مضطرةً للانتباه للظروف غير الصحية لمساكن العمال الآسيويين، حيث أصدرت هذه الجهات حزمةً من القرارات العاجلة التي تهدف لتحسين الأوضاع السكنية لهؤلاء العمال في محاولةٍ منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتخفيف من معدلات الإصابة بالمرض.

وكانت حزمة قرارات المجلس البلدي في العاصمة أتت إثر نشوب حريق في يوليو/تموز من العام نفسه (2006) في بناية سكنية للعمال الآسيويين في منطقة القضيبية نتج عنه وفاة 16 عاملاً اختناقاً نتيجة لافتقار المبنى لاشتراطات الأمن والسلامة.

وفي أكتوبر 2018 استيقظت البحرين على حادثة مشابهة، حيث لم يحتج المنزل المتهالك المتخذ مسكناً للعمال، لأكثر من انفجار أسطوانة غاز، لينهار جزء كبير منه فيؤدي إلى وفاة أربعة عمال وإصابة 26 آخرين، إلا أنها كسابقتها من الحوادث المميتة لم تحظَ سوى بأيامٍ معدوداتٍ من الاهتمام الرسمي والشعبي، لتعود الأمور من بعدها إلى المطالبات الشعبية لحل هذه المشكلة والوعود الرسمية المكررة.

وبين الحادث والحادث أكد الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل (الهيئة الحكومية المعنية بشكل أساسي بتنظيم تصاريح عمل العمال الأجانب والتحقق من قانونية أوضاعهم) أسامة عبدالله العبسي في 2013 "أن الجهات الرسمية لا تملك حق الرقابة على المساكن التي يقوم العمال باستئجارها بأنفسهم، فالتعريف القانوني لا يصنفها ضمن سكن العمال"، معتبراً "المسؤولية مشتركة بين صاحب العقار الذي يتوجب عليه تأجيره وهو في حالة ملاءمة وعلى المستأجرين التأكد من مراعاة المكان لاشتراطات الأمن والسلامة".

بدوره يؤكد عضو مجلس أمانة العاصمة السابق مجدي النشيط لمعدّ التحقيق، أن ملف مساكن العمالة الوافدة لم يتم حله لأنه يختص بعدة أطراف وليس طرفاً واحداً، إذ إن للمحافظات جانب، لوزارة العمل جانب آخر منه، وللصحة، وللبلديات، وهذا يتطلب جهداً كبيراً واجتماعات موسعة لاتخاذ قرارات صارمة وسريعة لحل هذه المشكلة بشكل جذري وليس وقتي.

وفجأة، صحت البحرين على إن ما كانت تتحاشى حلّه، إذ صار هو المشكلة الأساسية في ظل انتشار الجائحة. فقد أشارت أصابع اتهام كثيرة - في الشهور الثلاثة الأولى من التبليغ عن أول حالة مصابة بكوفيد-19 في 24 فبراير الماضي - إلى مساكن العمال بأنها السبب وراء الارتفاع الحاد آنذاك لأعداد الإصابات، كونها تفتقر إلى المواصفات الصحية والأساسية للعيش.

فعامل بسيط مثل جیجن لم يجد صعوبة في الحصول على سكنه، بل يقول إن المنازل في منطقة النعیم متوفرة بشكل كبیر، فالمسكن الذي یقطن فیه مع زملائه یقع ضمن سلسلة من المساكن التي يتكاثف فيها تواجد الآسيويين.

وجيجن واحد من حوالي 80 ألف عامل غير نظامي بحسب تصريحات الجهات الرسمية، بينما جهات عمالية وأهلية تقدر عددهم بأكثر من 100 ألف، يستأجر العمال السرير الواحد لثماني ساعات فقط في غرف يتكدس فيها عمال آخرون يتراوح عددهم ما بين 12 و20 عاملاً ينامون على الفُرُش نفسها بالتناوب، وأحياناً ينامون على الأرض من دون مسافات كافية.

تجبر الدخول الضعيفة وغير المنتظمة هؤلاء العمال على القبول بهذا النوع من السكن نظير المبلغ الذي يدفعونه للسرير والذي يصل إلى حوالي 20 ديناراً شهرياً.

يفضل أصحاب العقارات وسماسرتهم تكديس أكبر عدد من هذه العمالة في العقار لسهولة تغييرهم و"التخلص منهم" لاستبدالهم بغيرهم إن عجزوا عن السداد، ذلك لهشاشة وضعهم القانوني، بخلاف المواطن الذي يمكن أن تستمر إقامته في السكن المستأجر مدة طويلة من دون سداد المبلغ بينما المحاكم تنظر في القضية.

أما السبب الثاني فإن ما قد يحصل عليه صاحب العقار شهرياً قد يتراوح ما بين 1600 إلى 2000 دينار، بحسب سعة البيت الاستيعابية، وهذا ما لا يوفره الاستئجار العادي لهذا النوع من المنازل التي توصف أنها متداعية وآيلة للسقوط، إذ قام محافظ العاصمة بزيارة في يونيو 2020 إلى 82 مسكناً عمالياً، ورأى أن 60 منها مخالفاً لاشتراطات السكن.

الفقراء هم الفئة الأضعف والأكثر تضرراً من انتشار الفيروس المستجد، فكما تقول نائب رئيس جمعية حماية العمال الوافدين هناء بوحجي لمعدّ التحقيق "ليس لديهم خيار الالتزام بالتباعد الاجتماعي بسبب معيشتهم في مساكن عمالية مكتظة، إذ يصل عدد العمال الذين يتشاركون الغرفة الواحدة إلى 15 شخصاً في بعض المباني، وأدى تراجع الوضع الاقتصادي إلى المزيد من الضغط على هؤلاء فلم تعد لدى كثيرين منهم القدرة شراء أساسيات الحياة كالطعام وأدوات النظافة".

ويعقب النشيط، أن من بين أهم مظاهر عدم صلاحية هذه المساكن، أن العمال يتشاركون في دورة مياه واحدة، وغرفة واحدة "وهذا ما يساهم بسرعة انتشار المرض بينهم وذلك لعدم وجود تباعد اجتماعي".

كوفيد-19 لا يصيب المساكين!

أغلب القاطنين في المساكن المشتركة لا يلتزمون بقواعد السلامة، ولا حتى باشتراطات التباعد الاجتماعي، ويتقاسم عدد كبير منهم دورة مياه واحدة. وبسؤال العامل جيجن عما إذا كان يتابع نشرات الأخبار ويرصد عدد الإصابات بفايروس كورونا، أجاب بالنفي، فيما أكد عامل آخر اسمه بانقا بأنهم مساكين و"كوفيد-19 لا يصيب المساكين".

جيجن وبانقا نماذج متكررة للعمالة غير النظامية التي عليها أن تعمل عدداً من الأعمال يومياً لتسديد ثمن السكن، وإرسال بعض المال لأهلها، وتسديد ثمن "الفيزا" التي اشترتها من وسيط في بلادها، وتعطي نصيباً معلوماً من المال للكفيل الذي يثرى من وراء جلبهم للعمل بشكل حر، ويأكلوا بما يقيم أودهم، لذلك لا يلقون بالاً للنصائح والتوجيهات وحملات التوعية، لأن لا وقت لها وسط اللهاث اليومي.

العديد من هذه الحملات لم تكن تتناسب مع هؤلاء العمال حتى لو أتت في موعدها نظراً للخلفية التعليمية واللغوية لغالبيتهم، كما أن هذه الحملات التوعوية تناست الظروف السكنية السيئة للعمال التي تمنعهم من تطبيق أبسط الإرشادات الصحية المعلنة، إذ لا يمكن بأي حال تطبيق التباعد الاجتماعي في حين يعيش هؤلاء العمال في مساكن ضيقة ومكتظة، للدرجة التي تتندر الأوساط الشعبية بأن مخالفة العمال لقرار عدم تجمع أكثر من 5 أشخاص في الشوارع والأماكن العامة أخف ضرراً بمراحل من تواجدهم في مساكنهم الخاصة.

وبخلاف الظروف السكنية غير الصحية للعمال؛ شكلت ظروفهم المادية الصعبة عاملاً آخراً جعل من الإجراءات والتوصيات الحكومية غير ذات جدوى، فمعظم العمال الآسيويين في البحرين يتسلمون أجوراً ضئيلة جداً بالكاد تكفي لاحتياجاتهم اليومية، ولا يمتلك هؤلاء العمال القدرة على شراء الكمامات والمعقمات الطبية التي تكلف الكثير من الأموال نسبياً في مقابل أولويات العيش.

الوباء ينتشر

بعد عودته من یوم عمل شاق ومتعب، یضع العامل جیجن الكمامة التي استخدمها طوال اليوم في دلو ماء، لغسلها واستخدامها في اليوم التالي. وبسؤاله عمّا إذا كان یعرف أهمیة ارتدائها، أجاب بأنه لا یعرف سوى أنه سوف یتم تغریمه خمسة دنانير بحال لو لم یلبسها.

وكذلك الحال بالنسبة لبعض زملاء جیجن بالمسكن الذين قابلهم معدّ التحقيق، إذ تبین أنهم لا یكترثون أساساً بأي تعلیمات صادرة بشأن تطبیق التباعد الاجتماعي فیما بینهم، أو استخدام معقم الیدین، أو حتى غسل الیدین جیداً.

كان تفشي فايروس كورونا في صفوف العمال الآسيويين في البحرين مسألة وقت لا أكثر، ففي منتصف شهر أبريل أعلنت وزارة الصحة البحرينية أنها رصدت في يوم واحد فقط 212 حالة إصابة جديدة للفايروس شكل العمال الوافدون 206 حالة منها، ومع نهاية شهر أبريل رصدت الوزارة أكثر من 1700 إصابة في صفوف العمال أي ما يفوق نسبة 80% من مجموع الإصابات في البحرين حينها، ولم تتوقف أرقام الإصابات عن الارتفاع؛ فمع نهاية شهر مايو كانت البحرين قد سجلت أكثر من 6100 إصابة في صفوف العمال.

يرى يوسف الساري، أنه متضرر من منازل العمالة المكتظة بقوله لمعدّ التحقيق: "تحيط بمنزلي عدة مساكن للعمالة الوافدة التي يبدو أنها تفتقر الوعي الكاف بالفيروس، لتشاركهم الغرف والأدوات والمرافق (...) فوجئنا بقدوم ممثلين عن الصحة بمعية رجال الداخلية بعد رصد العدد من الإصابات بين سكان أحد المنازل"، فيساءل من أسماهم "سماسرة العمالة الوافدة": "ما ذنب العمال المساكين، وما ذنب الأهالي في كل هذا؟".

الحلول المؤقتة

ودفع تفشي الفايروس في صفوف العمال الآسيويين السلطات البحرينية لمحاولة إيجاد حلول مؤقتة وعاجلة، ففي خطوة غير مسبوقة أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستستعين بالمدارس الحكومية كمراكز سكنية مؤقتة للعمال لتخفيف من اكتظاظهم في مناطقهم المعتادة، كما أعلن وزير العمل البحريني جميل حميدان عن قيام عدد من الشركات بنقل العمال إلى مساكن جديدة لتخفيف الاكتظاظ مع تخصيص مساحة خاصة للحجر الصحي الاحترازي في هذه المساكن.

فيما قامت غرفة تجارة وصناعة البحرين بالتبرع بمبلغ 60 ألف دينار بحريني (حوالي 160 ألف دولار أمريكي) لمحافظة العاصمة لتخصيص مساكن مؤقتة إضافية للعمال الآسيويين، وفي المقابل قامت وزارة الداخلية بعمليات إجلاء للعمالة الآسيوية المتمركزة في العاصمة المنامة ونقلها لمركز إيواء مؤقت تم تخصيصه في منتزه عين عذاري.

وتحذر وفاء الغتم من الحلول السريعة والسطحية والمعزولة عن الرؤية الكلية للمشكلة "لأننا نلاحظ أن هذه البيوت المكتظة تحيطها أزقة ضيقة جداً، وعلى جانبيها محلات الخدمات الأساسية للساكنين فيها، وبالتالي فإن السكان في حالة "تقارب اجتماعي" دائم.

تنمّر يتنامى

نقلت صحيفة Gulf Daily News في عددها الصادر في 27 مايو 2020 على لسان مسؤول أن "رهاب الأجانب" (xenophobia) يعد واحداً من المواضيع التي تلقى الاهتمام، فلقد أدى تفشي الفيروس في أوساط العمالة المهاجرة إلى ظهور حالات جديدة من التنمر ضدهم، لم تصبح "ظاهرة" ولكن يمكن تتبعها.

فبينما ینفي جیجن تعرضه لأي مضایقات من البحرینیین، مضیفاً إنه یقطن بین أزقة منطقة النعیم منذ فترة، ولم يشعر بأي معاملة أو لفظ غير ودي، إلا أن الإنترنت لم تخل من وجود حالات من التنمر الإلكتروني في إلقاء التهم على العمالة المهاجرة وعلاقتها بتفشي الفيروس، محمّلة إياها جانباً كبيراً من المشكلة من دون النظر إلى أسبابها الحقيقية.

فاعتبرت عدد من المواقع الإلكترونية والكتاب الصحافيين وغيرهم من الفعاليات أن عدم التزام العمال بالإرشادات الرسمية يقف خلف تأخر انتهاء الوباء في البحرين، وبالتالي استمرار الأوضاع الاستثنائية الصعبة التي ألزمتهم البقاء في منازلهم بصورة شبه دائمة، وحملت مضاعفات خطيرة على أحوالهم الاقتصادية والمعيشية.

إذ يقول المغرد البحريني "الرفاعي" معلقاً عن هذا الموضوع "لولا العمالة الوافدة وتسيبها لكانت تجربة البحرين مع كورونا هي الأنجح في العالم، أقل الأعداد دون حظر ودون توقف الحياة"، فيما يقول مواطن على منصة تويتر نفسها إن "العمالة الوافدة هي السبب الأول في انتشار وتفشي الوباء وعلى الحكومة أن تعي وتفهم أن وجودهم يشكل خطراً على أمن المواطن وصحة وسلامة المواطنين ولابد من إصدار قانون تشريعي بترحيلهم إلى بلدانهم".

هذه المطالبات لإبعاد العمال الأجانب عن البحرين لم تقتصر على الأصوات الفردية لمواطنين اعتياديين، بل وصلت إلى بعض الصحف اليومية الرسمية كصحيفة البلاد التي نشرت في منتصف شهر مايو ما أشارت إليه الكاتبة نجاة المضحكي أن الوباء لن ينتهي في البحرين "في ظل وجود عمالة وافدة قد يتخطى عددها المواطنين، عمالة آسيوية تعيث في الأرض فساداً"، حيث أشارت إلى أن العمال الوافدين مستفيدين من استمرار الوباء في البحرين وذلك بسبب توفير العلاج والطعام المجاني لهم في هذه الفترة، كما اعتبرت أن هذه العمالة الوافدة "دمرت المجتمع اقتصادياً وصحياً واجتماعياً وغداً سياسياً".

وفيما لا يُعتقد أن هذا التنمر قد يتطور بشكل سلبي، إلا أن هذه الجائحة – على ما أدته من اختلال في الكثير مما كان يعتقد أنه من ثوابت الحياة اليومية – فقد كشفت عن واحدة من أهم المشاكل التي تم الدوران حولها لعدد من السنوات من دون إيجاد حل لها، وعدم أخذ الوضع بالجدية المناسبة لحجم المشكلة لأن وجهها كان "إنسانياً" فقط، حتى أطلت برأسها - وبقسوة – من النافذة الصحية.