تخيل لو أننا رهنا مصيرنا في البحرين وبقية الدول الخليجية بمصائر بقية الشعوب العربية، وعطلنا مصالحنا ورهنا مقدراتنا خدمة لقضاياهم بانتظار حلها، تخيلوا لو أن قادتنا لم تكن لديهم الجرأة للمجاهرة أخيراً بأن مصالح شعوبنا لها الأولوية قبل أي أحد آخر، ليس فكاً للارتباط الأزلي العروبي، بل لتحديد الأولويات وإعادة ترتيبها.

هذه الجرأة كسرت تابو لم نكن نجرؤ حتى على الحديث عنه، أن تكون لمصالحنا الوطنية أولوية، وحتى عندما جاهرنا بها، قامت قيامة الإخوة العرب الذين كانت مصالحهم دوماً لها الأولية، بل قامت قيامة بعض البحرينيين الذين تربوا ونشؤوا على أن مقدراتنا لا بد من أن تسخر لخدمة «الأمة العربية» أو «الأمة الإسلامية» حتى وإن تقاطعت مصالحنا مع مصالح الشعوب العربية الأخرى فنحن من يجب أن يتنازل.

الأمر لا يتعلق باتفاقيات السلام مع إسرائيل فحسب، والتي اعترض عليها الفلسطينون، واتهمونا ببيع قضيتهم، بل الأمر يمتد للعديد من منظومة المصالح المصيرية المتعلقة بنا كدولة وطنية والتي يحدث أن تتقاطع مع مصالح إحدى الدول العربية وشعبها، السؤال، لمَ مصالحنا هي التي عليها أن تتأجل أو تتعطل؟ ولمصلحة من نضعف كدولة أو أن تتخلخل منظومتنا الأمنية أو الاقتصادية أو غيرها؟ من المستفيد من ضعفنا؟

السؤال إن تقاطعت المصالح العربية والمصالح الوطنية فلمن سننتصر في البحرين، إن كان علي أن أتصرف وأرتب أولوياتي؟

الأمر يحتاج من الآن فصاعداً إلى تهيئة الأجيال القادمة على تعزيز هويتنا الوطنية دون التخلي عن الهوية العربية أو الهوية الإسلامية، ولكن تهيئتها على ترتيب أولوياتها لتكون البحرين دوماً في المقدمة، ذلك واقع علينا أن نتعايش معه ونهيئ أجيالنا القادمة لتتعلم على تعزيز هويتها الوطنية وصقلها والتمسك بها والاعتزاز بها وبلورتها وتوضيحها، ماذا يعني أن تكون بحرينياً؟

حين أرى ما آلت إليه الأمور بالشعب السوري والليبي والعراقي واليمني أتساءل إن كان الشعب الفسطيني هو الشعب العربي الوحيد المنكوب؟ نكبات الشعوب العربية -مع الأسف- تتوالد ولا تتوقف بل تتفاقم، فمن تشرد منهم لا يقلون عدداً عمن تشرد من أبناء الشعب الفلسطيني والعدد قابل للزيادة في ظل تقلب الأوضاع.

دعك من الأسباب إسرائيل كانت أم إيران، لا فرق رغم أن إيران تسببت بتشريد أعداد مضاعفة عما شردته إسرائيل، إنما لنقف عند كمّ القضايا العربية التي على الدول العربية المستقرة والآمنة والنامية أن تدعمها، وتأتي على رأسها دول الخليج التي ولله الحمد والمنة «الدولة» فيها كانت ومازالت قوية ثابتة وتؤمن لشعوبها الحياة الآمنة المستقرة وخدمات راقية صحية وتعليمية واجتماعية وأمنية، وتؤمن لهم مستوى معيشياً يتراوح بين المعقول والممتاز، وذلك للعلم لا يعود لمواردها الطبيعية التي أنعم الله بها على هذه المنطقة، بل لحسن إدارتها، فليست هناك دولة عربية واحدة لا تتمتع بموارد وبعضها يفوق ما تتمتع به دولة كالبحرين على سبيل المثال، ولكن الاختلاف هو في كيفية إدارة الحكم الرشيد.

ورغم ذلك فهي لم تكتف بالاهتمام بمصالحها الخاصة فقط إنما الدول الخليجية كانت ومازالت تؤمن لجميع الشعوب العربية المنكوبة المساعدات المالية بطريق مباشر أو عن طريق إقامة العديد من تلك الهجرات فيها، وتدعمهم سياسياً في جميع المحافل.