إن تربية النشء لا تقتصر على تلقينهم الصح والخطأ في شكل أوامر وتعليمات، ففي الغالب سيكون مصيرها التبخر في الهواء دون أن ترتكز في عقول أطفالنا، لذا وجد المتخصصون أن أفضل وسيلة لتعليم الأطفال، هي إثارة الفضول لديهم ودعمهم بتجارب عملية لترسيخ المعلومة في أذهانهم، فمثلاً لتعريف الأطفال بالبركان تم ابتكار نموذج للبركان صغير يمكن تكوينه بأدوات بسيطة ومتوافرة في أي منزل، أو من خلال المعمل الصغير لتجربة خلط المواد الكيميائية المبسطة في بيئة آمنة، وغيرها من الأفكار التي تجذب الطفل للتعلم بشكل بسيط، وكذلك ظهرت الوسائل التعليمية المتعددة خلال السنوات الماضية، والتي تعتمد على الصور والتلوين والألعاب والأفلام الكرتونية.

ومع استمرار انتشار فيروس كورونا آن الأوان لاستخدام هذه الطرق لتعليم أطفالنا كيفية الوقاية من (كوفيد 19) بالأسلوب الذي أثبت نجاحه في تعلم الأطفال من قبل! وهناك عدة تجارب لعدة جهات طبقت هذه الآلية، منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خلال رسومات تلوين لتعليم الأطفال، لنشر التوعية حول طرق السلامة والوقاية، فوفر على موقعه رسومات للأطفال يمكن تحميلها وطبعها وتقديمها للأطفال ليقوموا بتلوينها والتعرف على طرق الوقاية من العدوى بشكل مبسط وممتع.

وكذلك ظهرت قصة «ملك كورونا الصغير» للمعلمة البريطانية إيلي جاكسون، ترصد الفيروس على شكل قصة مصورة تساعد الأطفال على فهم طبيعة الفيروس وطرق الوقاية منه، وأيضاً الكتاب المصور «قصة فيروس» للدكتورة الأردنية المهاجرة بألمانيا علياء كيوان والذي يجيب عن أسئلة الأطفال، ويوعيهم في شكل رسومات مصورة تثير فضولهم.

لقد تأثر الأطفال بنسب متفاوتة مع الأخبار المتعلقة بالفيروس، وأيضاً التغيرات المصاحبة لانتشاره بسبب الإجراءات الاحترازية، التي ولدت عند بعضهم الخوف من مغادرة المنزل، أو التعامل مع المحيط الخارجي وغيرها من المخاوف التي تكمن داخلهم ولا يفصحون عنها، لذا وجب أن نأخذ بأساليب العلم الحديث في معالجة هذه الآثار حتى لا تترك أثراً دائماً في نفوسهم أو تشكل خوفاً دائماً مما يواجهونه، فإن الأطفال يعتمدون على البالغين لفهم العالم من حولهم؛ لذا سيشعر الأطفال بالقلق بشكل أكبر أو أقل بناء على كيفية توصيل الكبار المعلومات لهم.

إن تعليم الأطفال وتوجيههم يعتمد بشكل أساسي على التكامل بين السمع والنظر والحركة، لذا فإن الرسم والتلوين يُعدان من أهم الأدوات لاكتساب المهارات لمعرفة العالم من خلال الصور اللونية، لذا يمكننا اعتماد هذه الطرق من خلال إقامة مسابقات وأنشطة أونلاين للرسم والتلوين يتطرق موضوعها للتعريف بالفيروس وطرق الوقاية منه، كما يمكن أن تدعم ببعض الحكايات عن انتصار الإنسان على مر العصور على المرض ووضع «جائحة كورونا» كموضوع إلى جانب مواضيع لأمراض أخرى تغلبت عليها البشرية، لأن ذلك سيبعث الأمل في نفوس الأطفال ويجعلهم يؤمنون بقدراتهم كبشر، والتمسك بالإيمان الخالص أن لكل داء دواءً.

إن مساعدة النفوس الصغيرة على تجاوز هذه المحنة التي أثرت سلباً على الكبير قبل الصغير تعد الهدف الأكبر للوالدين، ويجب أن يكون هدف المجتمع أيضاً، وأن نأخذ بالأسباب للتخلص من الآثار النفسية، واستثمار المسابقات والألعاب والمعرفة في مساعدة الأطفال حتى ننمي إدراكهم فيما يتعلق بهذا الفيروس والوقاية منه، وإذا استطعنا تحويل الأثر السلبي الذي تركته الجائحة والإجراءات المصاحبة لها إلى نتاج معرفي إيجابي وقدرة على إكساب أطفالنا مهارات التعامل مع هذا الفيروس فستتأثر حالتنا نحن قبلهم بالإيجابية التي ستنتشر في المحيط العام، ولقد أثبتت النظريات الحديثة أن الاكتئاب والانعزال والقلق لها آثار على مناعة البشر، لذا كما نهتم برفع مناعة أطفالنا الجسمية بالفيتامينات، يجب أن نهتم برفع مناعتهم النفسية بالتعلم التفاعلي الذي يسهم في رفع الحالة المعنوية لهم، فلا يوجد أهم من تربية جيل قادر على مواجهة التحديات.