أدار الندوة وأعدها للنشر - هدى عبدالحميد

أكد فعاليات وشخصيات، أن الأخبار المضللة والشائعات تعد أخطر من فيروس كورونا (كوفيد19) نفسه، مشيرين إلى أن نشر أحاديث غير صحيحة أو فتوى مغلوطة لا يعاقب عليها القانون كشائعة وإنما مجرمة تحت عنوان "هتك دين".

وأضافوا في ندوة "الوطن"، بعنوان "الشائعات وأثرها على الفرد والمجتمع"، أن لإثارة الشائعات أهدافاً ومآرب، تماشياً مع مبتغى مثيريها، لافتين إلى أنه يمكن استغلال مشاهير "السوشيل ميديا" على مواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الأشخاص ليكون سلاحنا في التصدي للشائعات هو نفس السلاح المستخدم في ترويجها.



وبين المجتمعون في الندوة، والتي شارك فيها كل من المحامي محمود ربيع، وإمام وخطيب جامع عبدالله بن أحمد الغتم الشيخ صالح أحمد عبدالكريم، والباحث والتربوي موسى الطارقي، أن القانون يجرم من يروج لمثل هذه الشائعات إلا أنه يشترط أن يكون الجاني على علم بأن تلك المعلومات كاذبة وغير صحيحة وهو مدرك لآثارها السلبية ومردودها على المجتمع.

وأشاروا إلى أن أشكال الشائعات تتنوع وتختلف نوعياتها حسب الأحداث المعاصرة، كما حدث خلال انتشار فيروس كورونا (كوفيد19) وغيرها من الظروف الاستثنائية.

وفيما أكد عبدالكريم، أن الشريعة الإسلامية سدت باب الشائعات بسد عظيم فهي محرمة وحرمتها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أكد ربيع أن الشائعة غير معروفة المصدر تنتشر عبر وسائل التواصل كالنار في الهشيم.. وفيما يلي نص الندوة:

"الوطن": ما معنى الشائعة؟ ونشأتها؟

- ربيع: معنى الشائعات بأنها الخبر ينتشر ولا تثبت فيه، "المعجم الوسيط ـ ج 1 ص 503"، والشائعة ليست وليدة اليوم، بل هي موجودة ومؤثرة في أغلب الحضارات والثقافات عبر التاريخ، لأنها أحاديث يومية يتناولها الناس، ولها أهداف وأغراض، ووسائل نقل، حسب المجتمع والبيئة التي تسود فيها، فبعض المجتمعات القديمة تنتشر فيها أمور السحر والخرافة، كالصين ومصر، وبعض المجتمعات تنتشر فيها الفلسفة، كاليونان، والإشاعة قديمة قدم الجنس البشري.

ومنذ القدم عرف رجال الدين ورجال السياسة ورجال الحرب الأقوال والأفعال التي تدفع الإنسان وتحركه، ففي مصر القديمة استخدم تحتمس الثالث الحيلة والخديعة والمفاجأة في حروبه، خاصة عند فتح يافا في فلسطين، وفي الصين القديمة استخدم الشائعات كثير من العرافين والعسكريين.

وفي اليونان القديمة استخدموا الشتائم والتشهير للتأثير على الروح المعنوية للعدو، ولقد أدت الشائعة إلى موت سقراط، بتهمة أنه كان يفسد أخلاق الشباب في أثينا، ويدفعهم إلى التمرد والعصيان.

ويعتبر المغول من أشهر من استخدم الشائعات في العصور الوسطى، فقد كانت الشائعات سبباً رئيساً في انتصاراتهم، لما أحدثته من رعب في نفوس المسلمين.

- عبدالكريم: الشائعة هي أقاويل يتناقلها الناس، دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به، أو الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الصحة، ورصدنا على مر التاريخ والعصور أنه لم يسلم مجتمع من آفة الشائعات، فلم يسلم الرسل وأنبياء الله من الشائعات، ومنهم سيدنا نوح وهود وموسى عليهم السلام، وكذلك لم يسلم منها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قضى في مكة المكرمة 13 سنة تعرض خلالها إلى ألوان من الشائعات الكاذبة، ومن التهم الباطلة، فقد وصفه المشركون في مكة بأنه ساحر، وبأنه مجنون، وبأنه شاعر، إلى غير من الأكاذيب التي كان الهدف من ورائها الإساءة إلى شخصه صلى الله عليه وسلم، وتكذيبه في رسالته، وصرف الناس عن الإيمان بما يدعو إليه من إخلاص العبادة إلى الله تعالى وحده.

وتتفق الشائعة مهما اختلف الزمان والمكان في قبحها، وفي سوء مقاصد أصحابها، وفي تعمدهم إلحاق الأذى والسوء بغيرهم، إلا أنها تختلف في أسلوبها وفي وسائلها من زمان إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، فقديماً كانوا يستغلون المواسم كالحج وسوق عكاظ فيطلقون شعراءهم ونبغاءهم في المواسم والمناسبات لإطلاق الشائعات ليتناقلها الأفراد؛ أما الآن فبات الأمر سهلاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فباتت الملتقى والبيئة الخصبة لنشر الشائعات.

فالأمر لم يعد يحتاج سوى ضغطة زر على شاشة الهاتف النقال لنقل الأخبار التي تحمل في طياتها أكاذيب، ويختار من يطلق شرارة الشائعة موضوعاً ذا أهمية يتناسب مع الأحداث الحالية، حتى تكون قابلة للتصديق والتفاعل معها، ثم تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، والمجتمعات سابقاً كان ضعف الوازع الديني فيها سبب في انتشار الشائعات، إنما بعد أن أكرمنا الله بالإسلام يجب أن نلتزم بتعاليم ديننا الحنيف الذي ينهي عن هذه السلوكيات.

- الطارقي: الإشاعة هي اشتقاق من الفعل "أشاع"، أما الشائعة في اللغة فهي اشتقاق من الفعل "شاع" بالشيء: أذاعه، والإشاعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع والباحثين، وتفتقر هذه الإشاعات عادة إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الخبر، كما تمثل جزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها.

هناك إحصائية تؤكد أن 70% من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلنا من شخص إلى شخص حتى وصلنا الخامس أو السادس من متواتري المعلومة. والهدف من الشائعة هو إشاعة الخوف، وإشاعة الكراهية، وإشاعة الأمل.

وصنف د. صبري محمد خليل خيري أستاذ فلسفة القيم الإسلامية بجامعة الخرطوم الشائعة إلى عدة أنواع منها: الإشاعة الزاحفة، "البطيئة": وهي إشاعة تروج ببطء وبطريقة سرية وهذا التكتم يجعل المتلقي يجعله يعتقد صدقها، والإشاعة السريعة "الطائرة" وهي إشاعة سريعة الانتشار وسريعة الاختفاء أيضاً، والإشاعة "الراجعة" وهي إشاعة تروج ثم تختفي ثم تعود وتظهر من جديد إذا تهيئات لها الظروف أو في الأوقات التي يريدها مطلق الإشاعة، والإشاعة الاتهامية "الهجومية" وهي إشاعة يطلقها شخص بهدف الحط من مكانة منافس له، والإشاعة "الاستطلاعية" وهي محاولة لاستطلاع ردة فعل الشارع، لذلك يطلقها منشئوها للتعرف ماذا يكون رد فعل الشارع لو تم اتخاذ قرار ما.

"الوطن": ما حكم الدين في ترويج الشائعات؟

- عبدالكريم: الشريعة الإسلامية سدت باب الشائعات بسد عظيم فهي محرمة وحرمتها سنة الرسول، كما أن الإسلام حثنا على التثبت والتبين في نقل الأخبار، وأن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية شائعة يسمعها، قال الله تعالي: ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))، كما نهانا رسولنا الكريم عن تداول الشائعات وحذر من تناقلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع".

وهناك أحد الأحاديث التي تنهى المسلمين عن التحدث في حق شخص وإن كان هذا عيباً فيه، فعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته".

كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم محذراً معاذ بن جبل حينما أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!"، فعلى المرء ترك ما يعنيه والالتفاف لما خلق له.

"الوطن": ما هي التشريعات المتعلقة بنشر الشائعات؟

-ربيع: نص المشرع البحريني في المادة 168 من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين والغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة، إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

ونظراً لخطورة الآثار المترتبة على نشر وبث الإشاعات والأكاذيب، فإن وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للإعلام والثقافة الأمنية تقوم على مدار الساعة بمتابعة كافة المواقع المختلفة للوقوف على صحة المعلومات المنشورة في الوسائل الإعلامية والتواصل الاجتماعي ومعرفة مصدرها ومروجها، وفي حالة نشر إشاعات كاذبة تقوم الإدارة بتصحيحها على الفور وتقوم الجهات المعنية في الوزارة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد الأشخاص التي تنشر تلك الإشاعات الكاذبة.

بث الإشاعات الكاذبة يعتبر جريمة ذات خطورة مباشرة على المجتمع، وقد تزيد خطورة هذه الجريمة في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي والتي لم تعد مكاناً للتعارف فقط بين الأشخاص بل قد يستغل البعض من ضعاف النفوس في الترويج للأكاذيب والإشاعات أو التحريض على الأفعال التي يشكل ارتكابها جريمة مؤثمة قانوناً.

إن الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي باشرت مؤخراً 35 بلاغاً تتعلق بالإهانة ونشر بلاغات كاذبة، أحيل منها للنيابة العامة 23 بلاغاً، بالإضافة إلى 30 بلاغاً حول حسابات بمواقع التواصل الاجتماعي تقوم بالتحريض الطائفي بطريق النشر، أحيل منها 18 بلاغاً إلى النيابة العامة، فيما تتواصل عملية رصد وتعقب الحسابات المخالفة، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، حيث يعمل 16 موظفاً في هذا المجال على مدار الساعة.

وتزامناً مع ظهور فيروس كورونا (كوفيد 19) في العالم، وظهور الشائعات عالمياً حول الوباء المجهول، الأخبار المضللة وهي أخطر من مرض كورونا نفسه، على بلدان العالم لا سيما مع انفتاح شعوب العالم على مواقع التواصل الاجتماعي، واستشهد بإحدى الشائعات التي حدثت في دولة الكويت عندما سقط رجل على الأرض وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أن كورونا (كوفيد19) انتشرت في الكويت، وفي النهاية اتضح أن هذا الشخص غير مصاب بفيروس كورونا (كوفيد19).

وتصدت دول الخليج بحزم لمروجي تلك الشائعات، بالطرق القانونية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وتولت نيابة السعودية تطبيق القانون الرادع علي المدانين، وفى هذا الصدد، أقرت السلطنة أحدث القوانين، حيث كشف الادعاء العام بعمان عقوبة تصل للسجن 3 سنوات لمن يدعى اكتشاف دواء لعلاج فيروس كورونا (كوفيد19)، ونشر "الادعاء العام" العماني عبر تغريدة على حسابه الرسمي على "تويتر"، إنَّ نشر الأخبار أو البيانات أو الإشاعات الكاذبة التي من شأنها المساس بالنظام العام، جريمةٌ تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات، ويندرج ضمن ذلك الادعاء كذِباً اكتشاف دواء لمرض كورونا (كوفيد19).

"الوطن": ما هي أسباب انتشار الشائعات في المجتمع؟ والهدف منها؟

- الطارقي: أسباب انتشار الشائعات في المجتمع هو عدم التثبت من المعلومة، كما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تناقل الأخبار، انغماس الناس في أحداث عامة يجعل الناس في ترقب، الفراغ والفضول والتصاقها بحياة الناس.

فالموقف الغامض الذي تنتشر فيه الشائعة يعني نقصان المعلومات الرسمية أو عدم توافرها أساساً فيسعى أصحاب النفوس المريضة لاستغلال هذا النقص واستكماله باخبار كاذبة، الإغراء بمكاسب إشاعات مثل الإعلان عن سحب على جائزة أو غيرها من المسابقات للحصول على أرقام تواصل أو إيميلات لتوفير قاعدة كبرى من البيانات، وهذا أحد أنواع الشائعات التي يتحايل بها التجار لتحقيق قاعدة بيانات.

-ربيع: هناك فرق بين الدعاية والإشاعة، حيث تكون الدعاية عملية منظمة، هدفها التأثير في الرأي العام، ولم تظهر الدعاية إلا في أواخر القرن العشرين، بينما ظهرت الإشاعة منذ زمن قديم، وتكونت الإشاعة تبعاً لتوافر مجال العمل الملائم لها، وهو الجمهور.

ولكن فيما يتعلق بالدعاية الكاذبة الهادفة لشراء المنتجات والدخول لسحب والفوز بجوائز دون حقيقة وجود جوائز لأي غرض كان سواء توفير قاعدة بيانات للزبائن أو لزيادة المبيعات فهذا يصنف ضمن "الاحتيال" وعقوبته في القانون ثلاث سنوات.

- عبدالكريم: إن لإثارة الشائعات أهدافاً تتماشى مع مبتغى مثيريها، فمنها ما هو اقتصادي كذكر زيادة سعر سلعة، فيقوم الناس بشراء كميات كبيرة منها -قد لا يحتاجون إليها لتخزينها قبل تطبيق الأسعار الجديدة التي حملتها الإشاعة أو الادعاء بالكذب على فساد بضاعة تاجر مما يعود بالخسارة على التاجر وغيرها، وقد يكون خلفه أهداف سياسية، فمنهم من يتعمدون إثارة الفتنة وفك اللحمة بين أفراد مجتمعاتهم بترويجهم الشائعات والمعلومات المغلوطة ومحاولة التشكيك في قرارات ولاة الأمر لتضيع هيبة ولي الأمر، ولتشويه القدوات.

ولم تسلم الأحاديث النبوية والفتاوى من التلفيق والأكاذيب والنشر، فنجد مؤخراً انتشاراً لأحاديث غير صحيحة وفتاوى مكذوبة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تقف على النقل بل تحوي تحذيرات لمن تكاسل عن نشرها، إلى جانب المحفزات العجيبة التي تدفع العوام لنشرها بغية الأجر العظيم والصدقة الجارية، فلا بد من إنكار ذلك ويجب أن توقف عند من يتلقاها.

- ربيع: إن ما يتعلق بنشر أحاديث غير صحيحة أو فتوى مغلوطة لا يعاقب عليها القانون كشائعة إنما مجرمة تحت عنوان "هتك دين" ويعاقب عليها القانون بالحبس ثلاث سنوات.

"الوطن": من هو الشخص المدان بنشر الشائعات؟

-ربيع: جريمة بث الإشاعات لها ركنان أساسيان وهما الركن المادي والركن المعنوي. فالركن المادي قيام الجاني بإذاعة إشاعة كاذبة يريد جعلها معلومة وإيصالها إلى عدد كبير من الأشخاص بأي وسيلة من الوسائل ومن شأن نشر تلك الإشاعة حدوث اضطراب بالأمن العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة وإلقاء الرعب بين المواطنين وبذلك يكون الغرض من نشر الإشاعة قد تحقق.

أما الركن المعنوي لتلك الجريمة يتمثل في عنصري العلم والإرادة أي أن يشترط أن يكون الجاني على علم بأن تلك المعلومات كاذبة وغير صحيحة وأنه هو من قام بتأليفها أو غير من صحتها حتى تصل إلى الأشخاص، بالمعنى الذي يريده أما عنصر الإرادة فهو انصراف إرادة الجاني إلى نشر تلك الإشاعة الكاذبة وهو مدرك لآثارها السلبية ومردودها على المجتمع.

والهدف من التجريم هو للضرب على أيدي العابثين ممن يعمدون إلى إلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، ويقصد بهذا النص الحرص على استقرار السكينة في ربوع البلد لتنصرف الجهود إلى العمل المثمر دون يأس أو تخلف.

وأكد مدير عام الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني، أن إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، وانطلاقاً من واجباتها في مواجهة الشائعات واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مروجيها، تضمن حماية السلم الأهلي والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

"الوطن": ما هي الآثار المترتبة على ترويج الشائعات وخطورتها على الفرد والمجتمع؟

- عبدالكريم: إن للشائعة العديد من الآثار الاقتصادية والسياسية، ومنها الآثار النفسية على الفرد، ربما لا يقدر على احتمالها، وبعض الناس تحتاج إلى علاج نفسي، ونستشهد بالألم النفسي الذي تركته حادثة الأفك على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة عندما اتهمت ظلماً وافتراءً في حادثة عرفت بحادثة الإفك، حيث نالها وزوجها الرسول الكريم من الهم وكدر العيش ما لا يطاق ولا يحتمل.

وتشكل الشائعات والأكاذيب الملفقة خطراً كبيراً يهدد استقرار الدولة وأمن أجهزتها، فهي قادرة على خلق حالة من الفوضى والبلبلة في المجتمع، والتشكيك بمدى مصداقية وموثوقية الجهات المسؤولة في الدولة، ناهيك عن نشر الرعب والذعر في نفوس المواطنين

- ربيع: تكمن خطورة الإشاعة الكاذبة في أنها تثير البلبلة في المجتمع وتؤدى إلى اضطراب في الحياة الاجتماعية بين الأفراد أياً كانت فحوى تلك الإشاعة سواء سياسية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية، ولقد تطرق ديننا الحنيف في كثير من النصوص الشرعية في الكتاب والسنة إلى تحريم نشر الإشاعات وبث الأكاذيب والأقاويل غير المحققة والظنون الكاذبة من غير أن يتأكد مروجها من صحتها فيقول الله تعالى في كتابه العزيز ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين))، فيأمرنا الله تعالى في تلك الآية أن نتأكد من صحة الأخبار التي يأتينا بها الأشخاص في مختلف المجالات وأن نستقي المعلومات من مصدرها الرسمي تجنباً من الوقوع في المحظور قانوناً.

- الطارقي: من آثار الشائعات على الفرد والمجتمع اتخاذ قرارات خاطئة، وانتشار الوهن في المجتمع، وإحداث فرقة بين أفراد المجتمع، والقبول بالكذب والبهتان، وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وانتشار الفوضى وعدم الاستقرار النفسي، وانتشار الرعب والهلع بين الناس.

"الوطن": من يحق له تقديم بلاغ؟

- ربيع: كل شخص يحق له التقدم ببلاغ للإدارة العامة للمباحث الجنائية إذا كانت الشائعة تمسه أو تمس الوطن وستؤثر على الوطن بضرر سواء سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً وغيرها.

"الوطن": هل نحتاج في البحرين لإصدار تشريعات لتغليط العقوبات للتصدي للشائعات؟

ربيع: ليس هناك حاجة لتغليظ العقوبة خاصة أن بعض من يطلق الشائعة وتحمل شائعته جريمة أخرى كالتحريض على ارتكاب جريمة ما فتكون عقوبته حسب قانون العقوبات كمطلق شائعة بالإضافة إلى أن المحرض فاعل أصلي في القانون ويحصل على عقوبة إضافية تتوافق مع طبيعة الجرم المحرض عليه.

"الوطن": هل تقترح أليات للتبليغ عن شائعة؟

- ربيع: إن المملكة العربية السعودية اعتمدت التبليغ الإلكتروني على موقع تحت عنوان "بلغ عن إشاعة" ومثل هذه الآلية تكون أسهل على المبلغ لأنها متوفرة على مدار الساعة وبشكل أسهل وأيسر لا يحتاج إلى الانتقال لمكان التبليغ، كما تقوم جمهورية مصر العربية بشكل دوري برصد الشائعات وتصحيحها مما يشكل حائط صد لترويج الشائعات، وأعتقد أن آلية جمهورية مصر العربية ترجع لكبر المساحة وعدد الأفراد.

"الوطن": ما هي مرئياتكم لحفظ المجتمع من آفة الشائعات؟

- الطارقي: للتصدي للشائعة وحماية المجتمع منها، يجب عدم قبول الأخبار دون مصدر، والتريث في نشر الأخبار حتى يتم التأكد منها، وتفنيد الأخبار بموضوعية، والبحث عن المصدر، قال تعالى ((إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين)) (النور:15-17) وفي هذا دلالة كبيرة على سرعة نشر الإشاعة من لسان إلى لسان قبل أن تصل للإذن.

وتبدأ حماية المجتمع منذ مرحلة النشأة من خلال التربية الصالحة وغرس القيم المجتمعية الراقية بترك الشخص ما يعنيه، كما أن وسائل الإعلام لها دور كبير في حماية المجتمع من الإشاعات بتوعية الأفراد داخل المجتمع بخطورة الشائعات، ويمكن استغلال مشاهير "السوشيل ميديا" على مواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الأشخاص ليكون سلاحنا في التصدي للشائعات هو نفس السلاح المستخدم في ترويجها.

- ربيع: الشائعة غير معروفة المصدر تنتشر عبر وسائل التواصل كالنار في الهشيم، وتصل إلى الأشخاص الذين يقومون بإعادة الإرسال دون التأكد من صحتها، لذلك يتم تداولها بسرعة كبيرة، وأستغرب ما تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي من تناقل الأخبار المنشورة في الجرائد أو على وكالات الأنباء مما شجع على أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي منصة لنشر الأخبار، وهذا يحدث فقط في المجتمعات العربية ولم نشهده في المجتمعات الغربية.

فأطالب بأن تعود مواقع التواصل الاجتماعي لما أنشئت له وهو التواصل بين الأفراد، والاطمئنان على الأهل وتبادل التهاني والتبريكات وغيرها من المسائل الاجتماعية، وتترك الأخبار إلى الجرائد المطبوعة أو المواقع المخصصة لذلك دون تناقلها، وربما تتعرض هذه الأخبار للزيادة أو النقصان فيساء فهمها ويفتح باب لتناقل الشائعات. والتصدي للشائعات ومواجهتها يتم عبر عدة خطوات، الأولى تتمثل في الجانب الشخصي، أي على كل فرد عدم نشر أو تداول أي خبر دون التأكد منه، وثانياً: عندما ينتشر خبر بوسائل التواصل يجب العودة لمصدره أو الجهة صاحبة الاختصاص في تأكيده أو نفيه أو توضيحه، والخطوة الثالثة: يجب رصد أي أخبار تلمس حاجة الناس في وقت الأزمات، وعند انتشار معلومة بوسائل التواصل الاجتماعي فعلى الجهات التدخل فوراً لتصديقه أو نفيه.

والخطوة الرابعة، إنه إذا انتشر خبر على مواقع التواصل الاجتماعي يجب فوراً متابعته من قبل جهات إعلامية مختصة لتجنب تداوله، وأناشد المؤسسات ذات الصلة الخروج في الوقت المناسب لنفي المعلومة غير صحيحة كي لا تنتشر وتتحول لشائعة.- عبدالكريم: لا بد أن يكون الشخص رقيب نفسه ويقظاً أمام الشائعات واقفاً دون تكرارها، ويتأكد من صحة المعلومات المتداولة بالرجوع دائماً إلى المصادر الرسمية لكل الأخبار، بل أن يعمل على إيقاف انتشارها حماية للفرد ولوحدة المجتمع وأمن الوطن.

إن التشريعات والقوانين التي أقرت لحماية المجتمع من الشائعات ما هي إلا استقراء للعديد من الآثار المترتبة على انتشار الشائعة سواء على الفرد أو المجتمع من خلال رصدها عبر الفترات زمنية مختلفة ورصد الخطورة والسلبيات الشديدة لأثرها على المجتمع بمكوناته، ويجب على المؤسسات الدينية والرسمية أن تبادر على المتابعة والتصحيح لما يطلق من شائعات والتوضيح والتصحيح، فذلك يخلق ثقافة استسقاء الخبر من مصادره ويسد الباب عن مروجي الشائعات.