دفعتني الأحداث والتطورات الأخيرة إلى الرجوع إلى معاهدة «سايكس - بيكو» السرية التي اشترك فيها البريطانيون والفرنسيون من أجل توزيع تركة الدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى. هذه المعاهدة التي أفرزت دولاً عربية جديدة وقسمت القديمة ورسمت حدود مناطق الشمال العربي وشملت أيضاً تفاهماً مع الإمبراطورية الروسية وإيطاليا، فالروس حصلوا على الجزء الغربي من أرمينيا والقسطنطينية والطليان حصلوا على جنوب أنطاليا التركية «كلاهما خسر الأراضي التركية بعد ذلك بسبب مقاومة الأتراك لهم ودخولهم في حرب للاستقلال ما بين 1919 و1923».

الشمال العربي ومنذ تطبيق المعاهدة وهو في غليان مستمر لم يتوقف. فلا توجد دولة فيه إلا وخاضت حروباً ومعارك وفيه أيضاً حدثت ثورات دموية واضطرابات حادة جعلته يعتبر أكثر مناطق العرب خطراً وعدم استقرار. فالتقسيم كانت تبعاته وخيمة وساهم مباشرة في نزاعات مسلحة كثيرة.

الأكراد في شمال العراق ظنوا أن الإنجليز سيعطونهم دولة بعد الحرب، ولكن المعاهدة خذلتهم فظلوا لعقود طويلة شوكة مؤلمة في عنق الدولة العراقية، والسوريون شعروا أن لبنان تم اقتطاعه منهم، فاستمروا في التدخل في شؤونه، بل والسيطرة عليه عسكرياً لفترة ليست بالوجيزة، ولبنان نفسه وبسبب تكوينه الغريب، لم ينجح حتى اليوم في الصمود كدولة مستقرة، والفلسطينيون شهدوا قيام دولة جديدة في أراضيهم. أما الأردن فكان يفترض أن يكون منطقة هادئة بين سوريا والعراق وفلسطين وإسرائيل لكنه لم يسلم من أذى الحروب والتمردات، ناهيك عن قلة موارده المائية والطبيعية وتواضع حدوده البحرية مما يضعه في تحديات جمة مستمرة.

الشمال العربي وبسبب وضعه المضطرب يشكل تحدياً كبيراً للأمن الخليجي. فاضطراباته وعدم هدوئه وتخبط بعض حكامه سبب الكثير من الأذى للخليج وما غزو الكويت إلا مثال صريح على ذلك بالإضافة إلى الحالة الفلسطينية وتبعاتها. وحالياً توجد مصائب أخرى ومنها الحرب السورية واختطاف الدولة اللبنانية من قبل الميليشيات المعادية للخليج وتغلغل ميليشيات مشابهة فكراً وعقيدة في العراق. لذلك ومما لا شك فيه أن اتفاقيات السلام الخليجية مع إسرائيل ما هي إلا خطوة جادة للبحث عن حليف في الشمال مستقر ومتطور وقادر على وقف تصدير الأذى الدائم الذي تفرزه تلك المنطقة للخليج.