هدى عبدالحميد

كشفت اختصاصي الطب النفسي بمستشفى الملك حمد الدكتورة حمده أحمد النشمي عن عمل دراسة ميدانية للتأثير النفسي لجائحة كوفيد 19 على العاملين في القطاع الصحي الثانوي، ونحن بصدد تحليل النتائج كما تم تدشين الخط الساخن لتقديم الدعم النفسي للعاملين في مستشفى الملك حمد.

وأوضحت أن العاملين في الصفوف الأولى يعانون من القلق النفسي الناتج عن ظروف العمل المحيطة، منها الإحساس بالضيق والاختناق نتيجة لبس البدلات الواقية فترات طويلة والخوف من انتقال العدوى من الآخرين "زملاء، مراجعين" الذين لم تظهر عليهم أعراض الإصابة كما أنهم معرضون للإرهاق نتيجة ساعات العمل الطويلة، بالإضافة إلى القلق والخوف على أهاليهم والتباعد الاجتماعي عن الأبناء، فلا يستطيعون احتضان أطفالهم، كما أنهم محرومون من زيارة الوالدين خشية عليهم من الإصابة، لذا هم بحاجة ماسة إلى الدعم المعنوي.



وأوضحت النشمي خلال المحاضرة "مهارات التأقلم ما بعد كوفيد19" التي ينظمها معهد البحرين للتنمية السياسية أن العديد من الأشخاص يعانون من بعض الضغوط النفسية منذ بدء هذه الجائحة وأرجعت ذلك إلى استمرار انتشار جائحة كوفيد 19 على مدى الأشهر السابقة، ما أدى إلى تعرض المجتمع ككل لضغوط نفسية غير مسبوقة، وتكمن خطوره التعرض المزمن للضغط النفسي على المدى الطويل واستثارة الجهاز العصبي السمبثاوي في زيادة إفراز هرمون الكورتيزول في الجسم، ما يؤثر سلباً على المستقبلات العصبية في مناطق معينة من الدماغ، مثل الفص الأمامي المسؤول بشكل مباشر عن التحكم بالمشاعر والتركيز والذاكرة، كما يتأثر العديد من وظائف الجسم الحيوية بشكل مباشر: مثل ارتفاع ضغط الدم والإصابة بالتجلطات وانخفاض المناعة واضطرابات الجهاز الهضمي واضطرابات النوم والإصابة بالعديد من الأمراض النفسية.

وقالت الدكتورة حمدة يترافق تفشي فيروس كورونا المستجد بحالة عامة مع عدم اليقين، ومن الطبيعي أن يُصاب الناس بالقلق من إمكانية تشخيص إصابتهم بالفيروس، إلى جانب القلق من إصابة أحد الأشخاص المقربين بالعدوى، والقلق من تعرضنا أو المقربين للعزلة الاجتماعية أو الحجر الصحي.

وحول الفئات الأكثر عرضة للضغوط النفسية المتزامنة مع جائحة كوفيد 19 قالت: كبار السن بحكم الأمراض المزمنة التي قد تصبيهم، لافتة إلى أن المقصود بكبار السن من تخطى 75 سنة وسيكونون في مأمن في حال اتبعوا نظام حياة صحياً، مضيفة: والفئة الأخرى هم الأطفال في الفئات العمرية الأصغر من 12 سنة؛ لأنه ليس لديهم المرونة الكافية لتقبل التغيرات، بالإضافة إلى كم المعلومات التي يتلقونها في فترة قياسية فتثير داخلهم المخاوف، بالإضافة إلى تعرضهم للعزلة الاجتماعية نتيجة بعدهم عن البيئة الطبيعية للدراسة بالمدرسة؛ فهم بحاجة إلى تأهيل نفسي حتى لا يصابوا مستقبلاً بأمراض نفسية، بالإضافة إلى الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة والأشخاص المصابين بأمراض نفسية سابقة، فنجد على الرغم من التزامه بالأدوية فإن الأعراض خرجت عن سيطرته، ما اضطرنا إلى زيادة الجرعات أو استبدال الأدوية.

وقالت كما أنه في بعض الدول واجه أصحاب الأعمال التجارية المتعثرة ومن تعرض للإفلاس وتسريح العمال خطر الإصابة بأمراض نفسية، ونحمد الله على أنه في البحرين لا توجد مثل هذه الحالات، حيث حرصت الحكومة على تقديم الدعم المادي للعديد من المؤسسات والأفراد.

وأوضحت أهم الاضطرابات النفسية الناتجة عن صعوبة التأقلم مع التغيرات الاجتماعية المتزامنة مع جائحة كوفيد 19 الخوف المبالغ فيه من التعرض للإصابة يؤدي للإصابة بالوسواس القهري، واستمرار العزلة الاجتماعية والانغلاق، وتجنب التواصل حتى عن بعد يؤدي للإصابة بالاكتئاب، واستمرار عملية الدوام من المنزل واختلال الروتين اليومي والسهر يؤدي إلى الإصابة باضطرابات النوم والشهية والأرق وعدم التركيز وسهولة النسيان والسمنة، أما استمرار عزل الأطفال عن اقرانهم ومنع اللعب الجماعي فيؤدي إلى إدمان الألعاب الإلكترونية، العصبية والنرفزة والعناد وصعوبات في النوم.

وتطرقت إلى التعليم عن بعد قائلة: قطاع التعليم من أهم القطاعات التي تأثرت بالأزمة المفاجئة بالتزامن مع جائحة كورونا، فكان العالم أمام ثلاثة خيارات، إما التعليم الإلكتروني غير المعتاد في الأنظمة التعليمية الاعتيادية وإما التعليم الإلكتروني وله العديد من الإيجابيات والسلبيات التي من الممكن التغلب عليها لضمان استمرار العملية التعليمية.

وواجه التعليم العديد من االتحديات، مثل عدم جاهزية البنية التحتية «توصيل الإنترنت بالكفاءة العالية لجميع المدارس والطلبة في وقت قياسي» وازدياد معدلات تسرب الطلبة عن حضور الحصص المقررة، بالإضافة إلى صعوبات في تهيئة بعض المعلمين للنظام الإلكتروني المستجد وصعوبة إيصال المعلومة عند البعض

وقالت: "للتغلب على الإشكاليات النفسية الناتجة عن التعليم عن بعد ننصح بتوزيع المهام والأدوار بين الأم والأب لتجنب وقوع الضغط النفسي والجسدي على أحد الوالدين وتوفير شبكة إنترنت فعالة وضرورة الانتباه لحماية الأجهزة الذكية من أي عملية اختراق إلكتروني والتخلص من مصادر التشتت والإزعاج في أثناء تلقي الدروس عن بعد، كما يجب تخصيص ركن خاص للدراسة وتوفير دفتر ملاحظات لتدوين الملاحظات للنقاش لاحقاً مع المعلم ووضع خطة دراسية أسبوعية لضمان عدم تراكم الدروس، وأخيراً، الإيمان بأن هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية مؤقتة وهي أفضل الحلول المطروحة لضمان استمرار العملية التعليمية في ظل تفشي الفيروس.

وأشارت إلى بعض النقاط لتعزيز الصحة النفسية للتغلب على الآثار المترتبة على انتشار جائحة كوفيد 19 بأنه يجب على الإنسان أن يعي أنه لا يملك الطاقة لتغيير جميع مستجدات حياته بمفرده؛ فنحن لا نملك القدرة على التحكم بانتشار الوباء في العالم، ويجب أن نتمتع بالمرونة الكافية والقدرة على التأقلم مع السياسات المتغيرة وفقاً للمستجدات والتوصيات الصحية.

وأضافت: "يجب تقليص متابعة أخبار الفيروس في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فكثرة متابعة هذه الأخبار على مدار الساعة تسهم في ازدياد المخاوف والضغوط، ومن الممكن تخصيص نصف ساعة لمتابعة الأخبار من المصادر الرسمية والمعتمدة والابتعاد عن متابعة الصفحات التي تنشر الاجتهادات الشخصية من غير ذوي الاختصاص".

وحول الحياة بعد كورونا أكدت الدكتورة حميدة أنه يجب أن تتغير نظرتنا للحياة؛ فهناك كثير من النعم كنا نحتسبها كمسلمات ولم نعرف قيمتها إلا بعد هذه التجربة كحريتنا في السفر والتنقل وغيرها، ولكن سيتم ترتيب حياتنا بشكل أسهل وستختفي بعض الأعباء المادية، مثلاً اكتشفنا أنه يمكن للمريض أن يحصل على الخدمة الطبية دون مراجعة المشفى بنفسه، وأن التعليم يمكن أن يحقق أهدافه المرجوة عن بعد، وأنه يمكن العملية التعلمية ما بين الحضور وعن بعد كما أن الندوات والمؤتمرات يمكن أن تعقد بدون تكاليف الانتقال والتنظيم وغيرها.

وفي الختام لا شك أنه مع تفشي الجائحة زادت بعض الأعراض النفسية مثل الوسواس القهري والقلق من التواصل والتعقيم الزائد واضطرابات النوم وغيرها، وطالبت كل من يشعر بأعراض المرض النفسي ألا يتردد في التواصل مع طبيب نفسي، وخاصة مع توفر خدمة التواصل عبر الهاتف.