وليد صبري




* 11.1 % نسبة ظهور المرض إثر انتشار الفيروس


* نسبة الإصابة بالمرض لم تتجاوز الأرقام العالمية

* الاضطراب يصيب غالباً غير المتزوجين والمطلقين والأرامل والمنعزلين اجتماعياً

كشف مدير مركز "سلوان للطب النفسي"، واستشاري الطب النفسي، د. عبداللطيف الحمادة، عن "رصد المركز لعلاقة تربط بين الإصابة بمرض "اضطراب الكرب ما بعد الصدمة"، وانتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، من خلال بحث، أعده المركز، يعد الأول من نوعه، وخصّ "الوطن" بنشر نتائجه"، موضحاً أن "نسبة ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى عينة من أفراد المجتمع البحريني إثر انتشار فيروس كورونا بلغت 11.1 %"، مشيراً إلى أن "نسبة الاصابة بالمرض في البحرين لم تتجاوز النسب المتعارف عليها عالمياً ويعتبر ذلك نتيجة إيجابية للإجراءات المتخذة من قبل الفريق الوطني الطبي لمكافحة فيروس (كوفيد19) بمملكة البحرين".

وقال لـ "الوطن" إن "من أهم الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تسببها الأوبئة والكوارث والأزمات هو "اضطراب الكرب ما بعد الصدمة" حيث يسبق هذا الاضطراب حادث صادم واحد أو عدة حوادث كارثية أو تهديدات استثنائية، وليس من الضروري أن يكون التهديد هذا موجهاً إلى الشخص ذاته، بل يمكن أن يكون موجهاً إلى أشخاص آخرين "مثلاً إذا كان الشخص شاهداً لحادث خطير أو عملاً من أعمال العنف".

وأشار د. الحمادة إلى أن "جائحة فيروس كورونا (كوفيد19)، تعتبر هي إحدى الأزمات الصحية العالمية الخطيرة التي أودت بحياة مئات الآلاف من البشر وأصابت الملايين منهم حول العالم وهددت نظام معيشتهم الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي شكّل للكثيرين صدمة هزت فهمهم لذاتهم والعالم من حولهم وإلى ظهور إحساس العجز لديهم، وبالتالي ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لديهم".

مدير مركز "سلوان للطب النفسي"، ذكر أن "البحث توصل الى التعرف على مستوى تأثير انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" على أفراد المجتمع البحريني من الناحية النفسية، من خلال دراسة ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة عليهم، لغرض اكتشاف الأسباب التي أدت إلى ظهور الأعراض عند البعض دون غيرهم، ومن خلال تلك النتائج نصبح أكثر قدرة في السيطرة على الأسباب المؤدية لأعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة للتقليل من تأثيراته مستقبلاً".

وقال إنه "تم الاعتماد في هذا البحث على مقياس الكرب ما بعد الصدمة لدافيدسونDavidson Trauma Scale- DSM-IV ويتضمن المقياس مجموعة من الأسئلة تتعلق بالخبرة الصادمة التي تعرض لها الفرد خلال الفترة الماضية ويصف كل سؤال التغيرات التي حدثت على الصحة النفسية خلال الفترة السابقة".

وأوضح د. الحمادة أن "عينة البحث تكونت من 2836 مشاركاً كانت غالبيتهم من الإناث "59.9 %"، وبأغلبية ساحقة من البحرينيين "90.2 %". تم تمثيل جميع الفئات العمرية من البالغين من عمر 18 عاماً فما فوق وكانت نسب المشاركة متماثلة تقريباً بنسبة 20 % لكل فئة عمرية، مع الإشارة إلى أن الفئة العمرية بين 26 سنة إلى 35 سنة سجلت نسبة مشاركة أعلى من الفئات الأخرى "27.5 %". كما شكّل المشاركون من محافظة المحرق والمحافظة الشمالية غالبية العينة بنسبة تزيد عن 60 %، في حين مثّل الموظفون الحكوميون أكثر من ثلث العينة "36.9 %" يليهم موظفو القطاع الخاص "24.9 %"، مما يجعل فئة الموظفين هي المجموعة المسيطرة في العينة".

وبين استشاري الطب النفسي أن "نتائج بحثنا أظهرت أن نسبة ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى عينة من أفراد المجتمع البحريني إثر انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" بلغت 11.1 %، وكانت شدة ظهور الأعراض لدى غالبية هؤلاء المصابين في المدى المتوسط بنسبة 67.6 %. في حين أن 88.9 % من العينة لم يستوفوا معايير الاضطراب وهذا يدل على أن نسبة الاصابة بالمرض في مملكة البحرين لم تتجاوز النسب المتعارف عليها عالمياً ويعتبر ذلك نتيجة ايجابية للإجراءات المتخذة من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس "كوفيد19" بمملكة البحرين".

وذكر أنه "من جهة أخرى أظهر 42.8 % من العينة أعراضاً تحت إكلينيكية وهي نسب مرتفعة إلى حد ما مقارنة بنسب انتشار الاضطراب عامةً حيث تبلغ معدلات انتشار الاضطراب بشكل عام حوالي 8 %، كما أظهرت نتائج البحث وجود فروق بين الذكور والإناث في شدة أعراض الاضطراب لدى العينة المصابة، حيث بلغ متوسط الذكور الذين أظهروا أعراض الاضطراب نسبة 9.7 % بينما بلغ متوسط الإناث الذين أظهروا أعراض الاضطراب 12 % وقد يعود ذلك إلى الاختلافات البيولوجية والسلوكية والعاطفية في تفسير الأحداث المختلفة بين الذكور والإناث، كما ظهرت فروق بين الأعمار المختلفة في شدة أعراض الاضطراب إثر انتشار الفيروس لدى العينة المصابة، حيث بلغ متوسط شدة أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة الظاهرة على الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً إلى 45 عاماً 40.5 %، في حين بلغ متوسط شدة الأعراض الظاهرة على الأفراد الذين يبلغون من العمر 46 سنة فما فوق 7.1، وقد يعود ذلك لتعرض الشباب بشكل أكبر للمواقف المؤهلة للإصابة بالفيروس التاجي وبالتالي تزداد مخاوفهم عن الأشخاص الأكبر سناً".

ولفت د. الحمادة إلى أن "الدراسة لم تكشف عن وجود أية فروق لدى أفراد العينة المصابة بالاضطراب إثر انتشار الفيروس من ناحية المهنة، أو الجنسية، أو المنطقة السكنية، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى قلة المعلومات لدى جميع الأفراد بمختلف المستويات حول الفيروس التاجي ومدى خطورته وكيفية علاجه، وبالتالي فإن مستوى الصدمة ظهر متساوياً تقريباً لدى الفئات المختلفة تبعاً للظرف الراهن".

وقال "لقد وجدنا أن الاضطراب يصيب في الغالب غير المتزوجين والمطلقين والأرامل والمنعزلين اجتماعياً والإناث وذوي المستوى المعيشي المنخفض، رغم انه لا يوجد أحد محصن ضد المرض".

ونوه إلى أنه "نحن في هذا البحث إذ نلفت الانتباه إلى اضطراب الكرب ما بعد الصدمة باعتباره تأثيراً أساسياً لوباء كورونا المستجد (كوفيد 19)، فإننا نشير إلى أهمية أن تأخذ سياسات الرعاية الصحية في الاعتبار الاستراتيجيات الوقائية ومنها: قيام الجهات المختصة بإيلاء الجانب النفسي الاهتمام من الناحية الإعلامية والتوعوية وتشكيل فرق بحث وتحرٍ عن انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة المزمن والمتأخر والاضطرابات النفسية الأخرى الناجمة عن انتشار الفيروس مع تصميم برامج علاجية خاصة باضطراب الكرب ما بعد الصدمة وتطبيقها على محتاجيها، وتحديد مؤسسات نفسية من القطاع الحكومي والخاص لتكون مراكز تأهيل لمرضى اضطراب الكرب ما بعد الصدمة".

وقد شغلت الأوبئة والكوارث والأزمات، على مر العصور، حيزاً كبيراً من تفكير العالم بسبب الهدر الهائل من الجهد والمال والوقت للقضاء عليها أو السيطرة على آثارها على أقل تقدير، لكن ما هي التغييرات التي تطرأ على حياة البشر بعد التخلص منها؟

لقد عرفت البشرية انتشار العديد من تلك الأوبئة المهددة للحياة، والتي تتفاوت درجة تأثيرها وفقاً لقدرات الأشخاص الصحية ومناعتهم وكيفية التعامل معها وتجاوز الأثر السلبي الناجم عنها، ولعل أهم أوجه احتواء تلك الأزمات هو توفير الدعم والنصيحة والمساندة لتجاوز الآثار النفسية والاجتماعية المحتملة.

ومن أهم الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تسببها الأوبئة والكوارث والأزمات هو "اضطراب الكرب ما بعد الصدمة"،Post-Traumatic Stress Disorder – PTSD حيث يسبق هذا الاضطراب حادث صادم واحد أو عدة حوادث كارثية أو تهديدات استثنائية، وليس من الضروري أن يكون التهديد هذا موجهاً إلى الشخص ذاته، بل يمكن أن يكون موجهاً إلى أشخاص آخرين "مثلاً إذا كان الشخص شاهداً لحادث خطير أو عملاً من أعمال العنف". وتظهر الأعراض النفسية والجسدية لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة "الحاد" بعد أكثر من شهر على الحادث الصادم بينما تظهر أعراض الكرب المزمن بعد ستة شهور على الحادث الصادم، أما أعراض الكرب المتأخر فتظهر بعد سنة إلى عدة سنوات على الحادث الصادم.

وتعتبر جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، هي إحدى الأزمات الصحية العالمية الخطيرة التي أودت بحياة مئات الآلاف "لحد الآن" من البشر وأصابت الملايين منهم حول العالم وهددت نظام معيشتهم الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي شكّل للكثيرين صدمة هزت فهمهم لذاتهم والعالم من حولهم وإلى ظهور إحساس العجز لديهم، وبالتالي ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لديهم.

والسمة المميزة لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة هي ظهور أعراض معينة بعد التعرض إلى حوادث صادمة تتخللها تجربة شخصية مباشرة، أو حدث يحتوي على تهديد للحياة، أو تهديد بالموت، أو الأذى البالغ، أو أي تهديد آخر لصحة الإنسان الجسدية، أو مشاهدته لحدث يحتوي على وفاة، أو أذى بالغ، أو تهديد لصحة إنسان آخر جسديا، أو مجرد العلم عن حدوث موت مفاجئ أو غير متوقع أو أذى بالغ حدث لأحد أفراد العائلة أو المعارف المقربين. ويتسم رد فعل الشخص بالخوف الشديد، أو الرعب، أو الإحساس بالعجز "وفي الأطفال يحتوي رد الفعل على تصرفات معبرة أو مشوشة".

وقد يكون من بين الأعراض انكفاء الشخص على إعادة معايشة الحدث الصادم بصفة متكررة، مع تحاشي دائم للمحفزات المصاحبة للصدمة السابقة والحذر، كذلك تبلد في تجاوب الشخص مع المحيط عامة، ووجود أعراض ثابتة من زيادة الاستثارة الذهنية.

أهمية البحث

اضطراب الكرب ما بعد الصدمة هو كرب نفسي شديد ناجم عن حدث صادم يؤدي إلى معاناة عاطفية وتدهور هائل في العلاقات الاجتماعية. والعديد من الناس يتعافون منه في الشهور التي تلي الصدمة، بينما يعاني آخرون من استمرار تأثير الحدث الصادم عليهم لسنوات عديدة، مما يؤدي لظهور أعراض نفسية أشدّ خطورة مثل: العزلة، والقلق، والاكتئاب، ونوبات الهلع، وإيذاء النفس، ومحاولات الانتحار.

وفي ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في كافة أنحاء العالم، وسرعة تناقل الأخبار والمعلومات تفشت حالة من الذعر لدى الأفراد شملت جميع الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، حيث إن هذا الحدث العالمي جعل معظم شعوب العالم أسرى منازلهم، مع ما رافقها من موجات تنمّر وعنصرية تجاه المصابين أدّت إلى سلوكيات كان لها الأثر النفسي السلبي على المصابين والمشتبه في إصابتهم، وعلى المتوجسين من الإصابة على حد سواء.

يحاول هذا البحث التعرف على مستوى تأثير حدث انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" على أفراد المجتمع البحريني من الناحية النفسية، من خلال دراسة ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة عليهم، وذلك بغرض الوقوف على نسبة انتشار هذا الاضطراب بين الأفراد وبالتالي محاولة اكتشاف الأسباب التي أدت إلى ظهور الأعراض عند البعض دون غيرهم، ومن خلال تلك النتائج نصبح أكثر قدرة في السيطرة على الأسباب المؤدية لأعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة ومن ثم التقليل من تأثيراته مستقبلاً.

ومن جانب آخر، فإن التعرف على مدى انتشار أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة واكتشافها سريعاً يساهم في التدخل المبكر لعلاجها وحلها حتى لا تتفاقم الأعراض وتؤدي إلى ظهور مشكلات نفسية أخرى أشد خطورة وتأثيراً على الفرد والمجتمع، وذلك من خلال الإعداد والتجهيز لمواجهة مثل هذه المشكلات النفسية عن طريق توفير مراكز العلاج والتأهيل المناسبة.

تحديد مشكلة البحث وأهدافه

نتناول في هذا البحث ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) على أفراد المجتمع البحريني. ولقد بحثنا في جانبين رئيسيين هما: اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، ودور انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" في ظهور أعراض الاضطراب في المجتمع البحريني. وبالتالي فإن هذا البحث يسعى إلى:

1- تحديد مدى انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى أفراد المجتمع البحريني في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19".

2- التعرف على مدى انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" وفقاً للعمر، والنوع، والمهنة، والمنطقة السكنية، والجنسية.

3- التعرف على شدة اضطراب الكرب ما بعد الصدمة حسب المتغيرات الديموغرافية للمجتمع البحريني.

4- التوصل إلى بعض المقترحات التي من شأنها المساهمة في الحد من التأثيرات النفسية لانتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" لا سيما فيما يتعلق بأعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة.

طريقة البحث

تم الاعتماد في هذا البحث على مقياس الكرب ما بعد الصدمة لـ "دافيدسونDavidson Trauma Scale- DSM-IV لمؤلفه Jonathan Davidson"، سنة 1995 بموجب معايير وقام بإعداد المقياس للغة العربية السيد عبد العزيز ثابت، يتضمن المقياس مجموعة من الأسئلة تتعلق بالخبرة الصادمة التي تعرض لها الفرد خلال الفترة الماضية ويصف كل سؤال التغيرات التي حدثت على الصحة النفسية خلال الفترة السابقة.

توزيع عينة البحث

تكونت عينة البحث من 2836 مشاركاً كانت غالبيتهم من الإناث "ن= 1670، 59.9 %"، وبأغلبية ساحقة من البحرينيين "ن= 1736، 90.2 %". تم تمثيل جميع الفئات العمرية من البالغين من عمر 18 عاماً فما فوق وكانت نسب المشاركة متماثلة تقريباً بنسبة 20 % لكل فئة عمرية، مع الإشارة إلى أن الفئة العمرية بين 26 سنة إلى 35 سنة سجلت نسبة مشاركة أعلى من الفئات الأخرى "ن= 780، 27.5 %". كما شكل المشاركون من محافظة المحرق والمحافظة الشمالية غالبية العينة بنسبة تزيد عن 60 %، في حين مثّل الموظفون الحكوميون أكثر من ثلث العينة "ن= 1044، 36.9 %" يليهم موظفو القطاع الخاص "ن= 706، 24.9 %"، مما يجعل فئة الموظفين هي المجموعة المسيطرة في العينة. يوضح الجدول رقم "1" توزيع عينة البحث.

نتائج البحث

تم تحديد درجات المشاركين الذين انطبقت عليهم طريقة حساب درجة اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، فاتضح أن هناك حوالي 315 مشاركاً أي بنسبة انتشار 11.1 % تم تشخيصهم بالاضطراب من خلال توفر عَرض واحد من أعراض استعادة الخبرة الصادمة، ووجود ثلاثة أعراض من أعراض التجنب، ووجود عَرض واحد من أعراض الاستثارة، في حين أن الغالبية العظمى من العينة لم تستوفِ المعايير "ن = 2521، 88.9 %".

يتضح من نتائج البحث أن مستوى ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى عينة من أفراد المجتمع البحريني بعد انتشار وباء فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" بلغ "11.1 %" وهي نسبة تساوي أو تزيد عن نسبة انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى الأفراد المعرضين للكوارث الطبيعية والتي بلغت 0.0 – 3.8 % حسب دراسة بحثية لمسوحات الصحة النفسية العالمية "WMH" أجراها "Bromet et al, 2017".

ويمكن تفسير نتيجة البحث الحالي إلى أن ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة بهذه النسبة لدى عينة من أفراد المجتمع البحريني نتيجة شائعة للكوارث الكبرى، لاسيما أن البشرية تمرّ في الوقت الحالي مع انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" بأشد جائحة منذ ظهور الإنفلونزا الإسبانية. كما أن حدوث الحالات الوبائية الاستثنائية في العالم وما يرافقها من فهم ضعيف للفيروس وآليات الانتشار يولّد قلقاً كبيراً يساهم في تعزيز اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، خاصة مع ما يرافق انتشار الفيروس من حالات الحجر الصحي، أو الحظر الكلي لمدن بأكملها، أو العزل للمرضى، أو نقص الموارد البشرية الطبية والتقنية، أو الخوف من الموت. كل ذلك يسبب الضغط النفسي والإجهاد الذي يمكن أن يفضي لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة.

ولقد وُجد من نتائج البحث أن الإناث يتعرضن للإصابة باضطراب الكرب ما بعد الصدمة "بنسبة خطر= 1.2" أكثر مقارنة بالذكور. حيث تبين انتشار الاضطراب بينهن بنسبة 12.1 % مقابل 9.7 ٪ للذكور، "P= 0.049". كما يبدو أن العمر يلعب دوراً مهماً في ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى العينة الكلية، حيث كان انتشار الاضطراب أعلى بشكل ملحوظ بين المشاركين من الشباب "18-25 سنة = 16.9 %" باعتبارهم الفئة التي تكون أكثر عرضه للمواقف الضاغطة والمرسبة للاضطراب "Kaplan, 2015". وينخفض بشكل ملحوظ إلى 4.4 % بين المشاركين الذين في منتصف العمر "46 سنة وما فوق".

وعند مقارنة متغير العمر مع الوضع الوظيفي "الموظفين وغير الموظفين" نجد أن نسبة المعرضين لخطر الإصابة بالاضطراب أعلى بين فئة الطلبة "17.5 %" الذين هم جزء من فئة الشباب آنفة الذكر مقارنة مع فئة المتقاعدين "5.4 %" الذين هم جزء من فئة منتصف العمر آنفة الذكر أيضاً.

وكانت الجنسية عاملاً مهماً آخر حيث كان معدل انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة بين غير البحرينيين أعلى بكثير مقارنة بنظرائهم البحرينيين حيث كانت النسبة 17 % مقابل 10.4 % على التوالي، وقد يعزى ذلك إلى عدة أسباب مؤهلة اهمها:

كون غير البحرينيين أو العمالة الوافدة غالبا:

1- منخفضي الدخل بالحد الذي لا يوفر لهم مستلزمات الحماية "كالمعقمات والكمامات وغيرها".

2- يعيشون في أماكن مزدحمة ومكتظة.

3- تعليمهم محدود.

4- ليسوا على تواصل مع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي بسبب انشغالهم طول اليوم بالعمل.

5- حاجز اللغة الذي قد يكون عائقاً لهم لفهم توجيهات اللجنة الوطنية البحرينية.

6- استخدامهم باصات النقل العام.

7- تنقلهم في كافة مناطق مملكة البحرين حسب متطلبات العمل بما في ذلك البيوت والبنايات.

وهذه العوامل ما لم يتعرض لها معظم البحرينيون. ومع ذلك لا يبدو أن مكان الإقامة له أي ارتباط بفرصة الفرد في الإصابة باضطراب الكرب ما بعد الصدمة حيث لم يتم اكتشاف فرق كبير بين محافظات المملكة الأربع.

كما وُجد أن نصف المشاركين تقريباً "ن= 1441، 50.8 %" لم يصلوا إلى الحد الأدنى من معايير تشخيص الإصابة باضطراب الكرب ما بعد الصدمة، حيث تتراوح درجاتهم فقط من 0 إلى 15 نقطة. أما النسبة المتبقية فقد توزعت بشكل غير متناسق ما بين من ظهرت عليهم أعراض بسيطة وشكلوا ثلث العينة 37 %، ومن ظهرت عليهم الأعراض بشكل متوسط وشكلوا 10.6 %، بينما ظهرت الأعراض بشكل شديد على حوالي 1.6 % من إجمالي العينة.

ولقد صنفنا المشاركين إلى مجموعتين تضم الأولى الحالات الإيجابية والثانية الحالات السلبية "تحت الإكلينيكية" لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة، وقارنا شدة الاضطراب داخل كل مجموعة، فوجدنا أن أكثر من نصف الحالات السلبية "ن = 1441، 57.2 %" كانت درجاتها تتراوح من 0 إلى 15 بينما لم تكن أي من الحالات الإيجابية موجودة في هذه الفئة. وعلى الرغم من تشخيص عدم وجود اضطراب ما بعد الصدمة إلا أن هناك عدد 991 بنسبة 39.3 % أظهروا أعراضاً بسيطة من الاضطراب، بينما أظهر حوالي 89 بنسبة 3.5 % أعراضاً متوسطة من الاضطراب. من ناحية أخرى كانت غالبية حالات المجموعة الإيجابية لاضطراب الكرب ما بعد الصدمة "ن = 213، 67.6 %" ضمن فئة الشدة المتوسطة، تليها فئة الشدة البسيطة "ن = 58، 18.4 %"، وأخيراً كانت الفئة الشديدة الأقل نسبة مقارنة بباقي الفئات "ن = 44، 14 %".

الاستنتاجات

أظهرت نتائج البحث أن نسبة ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة لدى عينة من أفراد المجتمع البحريني إثر انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) بلغت 11.1 %، وكانت شدة ظهور الأعراض لدى غالبية هؤلاء المصابين في المدى المتوسط بنسبة 67.6 %. في حين أن 88.9 % من العينة لم يستوفوا معايير الاضطراب وهذا يدل على أن نسبة الاصابة بالمرض في مملكة البحرين لم تتجاوز النسب المتعارف عليها عالمياً ويعتبر ذلك نتيجة ايجابية للإجراءات المتخذة من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس "كوفيد19" بمملكة البحرين.

ومن جهة أخرى أظهر 42.8 % من العينة أعراضاً تحت إكلينيكية وهي نسب مرتفعة إلى حد ما مقارنة بنسب انتشار الاضطراب عامةً حيث تبلغ معدلات انتشار الاضطراب بشكل عام حوالي 8 %، على الرغم من معاناة حوالي 5-15 % من أفراد المجتمع من بعض الأعراض تحت الإكلينيكية "Kaplan, 2015".

كما أظهرت نتائج البحث وجود فروق بين الذكور والإناث في شدة أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة إثر انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) لدى العينة المصابة، حيث بلغ متوسط الذكور الذين أظهروا أعراض الاضطراب 38.8 بنسبة 9.7 % بينما بلغ متوسط الإناث الذين أظهروا أعراض الاضطراب 41 بنسبة 12 %. وقد يعود ذلك إلى الاختلافات البيولوجية والسلوكية والعاطفية في تفسير الأحداث المختلفة بين الذكور والإناث، حيث تعالج النساء حدث ما عبر عواطفها بينما لا تنشط مراكز العواطف في الدماغ لدى الرجال تحت الضغط بنفس الطريقة، وهذا يعني أن النساء أكثر قابلية لربط الصدمات والتجارب بمشاعرهن مثل الخوف والرعب مما يشكل صعوبة في التعافي من حوادث مختلفة لديهن "Kaplan, 2015".

كما أظهرت نتائج البحث وجود فروق بين الأعمار المختلفة في شدة أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة إثر انتشار فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" لدى العينة المصابة، حيث بلغ متوسط شدة أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة الظاهرة على الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً إلى 45 عاماً 40.5 %، في حين بلغ متوسط شدة أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة الظاهرة على الأفراد الذين يبلغون من العمر 46 سنة فما فوق 7.1، وقد يعود ذلك لتعرض الشباب بشكل أكبر للمواقف المؤهلة للإصابة بالفيروس التاجي وبالتالي مخاوفهم تزداد عن الأشخاص الأكبر سناً، كما أن صغر السن وقلة التجارب والخبرات تزيد من حساسية الشباب تجاه الأمراض المختلفة وبالتالي تظهر أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة عليهم بشكل أوضح.

ويصيب الاضطراب في الغالب غير المتزوجين والمطلقين والأرامل والمنعزلين اجتماعياً والإناث وذوي المستوى المعيشي المنخفض، ولكن لا يوجد أحد محصن ضد المرض، حيث تكمن عوامل الاختطار للإصابة بهذا الاضطراب في شدة الصدمة ومدتها وقرب الشخص منها "Kaplan, 2015".

ويمكن تفسير هذه النتائج إلى سرعة انتشار الفيروس المستجد في جميع أنحاء العالم، مع وجود ملايين من حالات الإصابة ومئات الآلاف من الوفيات، واضطراب الكرب ما بعد الصدمة هو نتيجة شائعة للكوارث الكبرى، لاسيما أن انتشار حالات الوباء الاستثنائية شجعت على ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة في الماضي. وبالنظر إلى أن البشرية تمر حالياً بأشد جائحة منذ ظهور الإنفلونزا الإسبانية، فإن الوباء الفعلي لكوفيد 19 من المرجح أن يعزز اضطراب الكرب ما بعد الصدمة. علاوة على ذلك، فإن الفهم الضعيف للفيروسات التاجية وآليات انتشارها ومدى خطورتها فضلاً عن كيفية علاجها، تولد قلقاً كبيراً يساهم في تعزيز اضطراب الكرب ما بعد الصدمة. كما أن تجربة العزل الصحي للمرضى المصابين أو الحجر الصحي للمدن «المصابة» ثم إلى بلدان بأكملها، بالإضافة إلى انتشار الحالات المصابة في عائلات بأكملها والتعرض لخطر الموت، كلها أسباب تؤدي إلى انتشار الخوف وفقدان الشعور بالأمان والثقة، مما يعزز ظهور أعراض اضطراب الكرب ما بعد الصدمة. إضافة إلى ذلك أنه في سياق ضعف الاستعدادات لطب الكوارث مع نقص الموارد البشرية والتقنية، يجعل العاملين في مجال الرعاية الصحية أيضاً أكثر عُرضةً لظهور اضطرابات الإجهاد الحادة، والتي يمكن أن تتحول إلى اضطراب الكرب ما بعد الصدمة المزمن.

التوصيات والمقترحات

تقدر منظمة الصحة العالمية أن 30-50 % من الأفراد المتضررين من كارثة يعانون من ضائقة نفسية متنوعة، وأن الأفراد الذين يعانون من اضطراب الكرب ما بعد الصدمة هم أكثر عرضة لخطر التفكير في الانتحار ومحاولة الانتحار - مع الأخذ في الاعتبار أن العاملين في مجال الرعاية الصحية هم بالفعل في مهن معرضة للخطر-. ونحن في هذا البحث إذ نلفت الانتباه إلى اضطراب الكرب ما بعد الصدمة باعتباره تأثيراً أساسياً لوباء كورونا المستجد (كوفيد19)، سواء بالنسبة للسكان عامة أو المرضى أو العاملين في مجال الرعاية الصحية، فإننا نشير إلى أهمية أن تأخذ سياسات الرعاية الصحية في الاعتبار الاستراتيجيات الوقائية من اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، وما يتصل بها من خطر وتدهور جوانب الحياة والانتحار في الأشهر المقبلة ومنها:

1- قيام الجهات المختصة بإيلاء الجانب النفسي الاهتمام من الناحية الإعلامية والتوعوية وتضمينه الخطة الإعلامية لمكافحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" وذلك للوقاية من الإصابة بالاضطرابات النفسية الناجمة عن انتشار الفيروس.

2- قيام الجهات المختصة للتصدي لفيروس كورونا المستجد (كوفيد19) بتشكيل فرق بحث وتحري عن انتشار اضطراب الكرب ما بعد الصدمة المزمن والمتأخر والاضطرابات النفسية الأخرى الناجمة عن انتشار الفيروس.

3- تصميم برامج علاجية خاصة باضطراب الكرب ما بعد الصدمة وتطبيقها على محتاجيها سواء من المصابين بالفيروس، أو العاملين في مجال الرعاية الصحية، أو من عامة أفراد المجتمع.

4- تحديد مؤسسات نفسية من القطاع الحكومي والخاص لتكون مراكز تأهيل لمرضى اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، وقيامهم بتطبيق أساليب علاجية متعددة سواء من خلال وزارة الصحة أو من خلال برامج المنظمات الأهلية أو الإنسانية المعنية بهذا الشأن.

يشار إلى أن الباحثين هم:

* د. عبداللطيف الحمادة، الرئيس التنفيذي لمركز سلوان للطب النفسي.

* خديجة العويناتي، أخصائية نفسية سريرية بمركز سلوان للطب النفسي.

* د. أروى السيد، مديرة ادارة الاتصال بوزارة الخارجية.

* أنيسة الحويحي، مديرة ادارة الاتصال بوزارة الصحة.