تخذلني الكلمات وتغادرني العبارات ويصمت قلمي استسلاماً، وأجدني وأنا طليقة اللسان والقلم، أقف خرساء الحروف والمعاني.. فأي كلمات سترثي والد البحرين ورائد نهضتها.. وأي حروف تستطيع وصف كل هذا الحزن الذي خيم على جنبات الوطن.. فهذه البحرين بكل مدنها وقراها يكسوها حزن الفراق الذي لامس قلب كل بحريني ومقيم..

من أين أبدأ برثاء سيد الرجال.. وكيف أطوع حروفي لتليق بهيبة رحيل والد البحرين وباني نهضتها.. أمن قلب كل بحريني بكل ما يعتصره من ألم وحزن.. أم من دموع الأمهات والأخوات والبنات..؟!

فهذه فرجان المحرق القديمة، التي أحببتها وأحبتك، تذرف دموعها بصمت وحرقة.. وشوارع الرفاع تتشوق لطلة شيخها.. وتلك سترة تعانق البديع والزلاق والمنامة تختلط دموع الحزن ويتوه الكلام، فلا تدري أتعزي نفسها أم تعزي أخواتها بفقدك العظيم..

غادرت البحرين وغادرتنا، ولكنك ستبقى كما كنت على الدوام في قلب البحرين وأهلها، وسيبقى اسم «خليفة» موضع فخرنا واعتزازنا، وسنبقى نباهي بك العالم، فما قدمته وما حققته من إنجازات على مدى العقود الماضية سيظل شهادة على رجل عظيم، كان الوطن والمواطن شغله الشاغل، فأسكنه في حبات العيون.

أيها الغائب عن العيون الحاضر في القلوب، رحيلك أبكانا وأدمى قلوبنا، فقد كنت الكريم المتسامح.. الشديد اللين.. كنت الأب والأخ والعون والنصير لكل محتاج، نقشت فينا عناوين الشهامة والرجولة والكرامة والمعنى الحقيقي لبذل النفس من أجل الوطن والإنسان.

نبكيك اليوم، بل نبكي أنفسنا، بعد أن فقدنا اليد الحانية والفكر المتقد والهمة العالية، حافظت على وجود هذا الوطن ووجودنا بحكمتك، ووقفت سداً منيعاً أمام كل محاولات اختطافه عن محيطه الخليجي والعربي، فجمعت شمل أبنائه فتوحدوا على قلب رجل واحد، ووقفوا كتفاً بكتف خلف رؤية حمد بن عيسى وحكمة خليفة بن سلمان ليرفعوا اسم البحرين في كل المحافل، حتى غدت هذه المملكة رمزاً عالمياً للسلام والتسامح والمحبة..

لن تنساك البحرين وقد عم كرمك واهتماماتك ومبادراتك كل الوطن، فقد أوليت اهتمامك لكل القطاعات وما يهم المواطن، فأطلقت المشاريع الصحية والتعليمية والثقافية والرياضية.. إلى جانب مبادرات إنسانية كريمة وفرت لكل فقير ومحتاج حاجاته الأساسية، وكم من طالب علم أسعدته وهو يتلقى دعمكم ومؤازرتكم.

وكما كانت البحرين، وستبقى، فخورة بـ«خليفة بن سلمان»، كذلك العالم الذي نهل من مدرستكم وتعلم فيها أجمل معاني الإنسانية والتسامح والإصرار على العمل والنجاح، لذلك بكاك العالم كما بكيناك.. لأنك القائد الملهم والرائد الذي تجاوز الحدود ليترك للإنسانية مدرسة عبقرية اسمها «خليفة بن سلمان».

* إضاءة..

مع كل ما يعتصرنا من ألم وحزن على الفراق، لن نقول إلا ما أمرنا الله به «إنا لله وإنا إليه راجعون».. ونرفع خالص التعازي وصادق المواساة إلى جلالة الملك المفدى وسمو ولي العهد وكل أبناء البحرين والشعب العربي.

وعزاؤنا الكبير بمن حمل الأمانة، سمو الأمير سلمان بن حمد، الذي نثق بحكمته وحنكته في إدارة شؤون الدولة، فهو خير خلف لخير سلف.