كتبت - زهراء حبيب: رفضت المحكمة الدستورية، برئاسة القاضي سالم الكواري، الطلب المقدم من مجلس النواب ضد الحكومة بالطعن في دستورية مرسوم إنشاء هيئة الكهرباء والماء، وذلك كون المرسوم المطعون فيه لا يخالف الدستور. وتشير حيثيات الدعوى إلى أن مجلس النواب قرر في جلسته بتاريخ 28 أكتوبر 2008 عرض منازعة دستورية المرسوم رقم (98) لسنة 2007 بإنشاء هيئة الكهرباء والماء على المحكمة الدستورية، وإعمالاً لقرار المجلس، تقدم رئيسه بتاريخ 17 نوفمبر 2008 بالطلب ناسباً إلى المرسوم المطعون فيه أوجه المخالفة وهي مخالفة أحكام الدستور وبالأخص المادة (50) منه التي تتطلب إنشاء المؤسسات أو الهيئات العامة بقانون، وبما يخرج عن مفهوم تنظيم المصالح والإيرادات العامة المنصوص عليه في المادة (39/ب) من الدستور، كما إن اكتساب الشخصية القانونية لا يكون إلا بقانون أو بناءً على قانون وهو ما نصت عليه المادة (17) من القانون المدني. وإذ كانت هيئة الكهرباء والماء، هي هيئة مستقلة وتتمتع بالشخصية المعنوية، ولها ذمة مالية مستقلة عن مجلس الوزراء وإن قرر المرسوم تبعيتها لمجلس الوزراء فقد كان يتعين أن يصدر بإنشائها قانون، وليس مرسوماً. كما إن السلطة الوصائية تتقرر بقانون، خلافاً للسلطة الرئاسية التي لا تحتاج إلى سند من القانون في تقريرها، وبالتالي فإن المرسوم لا يصلح سنداً دستورياً لتحديد حدود سلطة الوزير الوصائية، كما إن إنشاء المؤسسات والهيئات العامة بمراسيم يخالف عناصر النظام البرلماني، وعلى الأخص المتعلقة منها بالمسؤولية الوزارية، فقد رسم الدستور نظاماً معيناً يتعلق باختصاص السلطة التشريعية بشكل مباشر، ولاشك أن ذلك يعد افتئاتاً على سلطة المجلس التشريعية في الرقابة مما يجعل المرسوم مخالفاً للدستور. وأشار مجلس النواب إلى أن نقل المرسوم المطعون فيه الاختصاصات المنوطة بوزارة الكهرباء والماء بموجب المرسوم بقانون رقم (1) لسنة 1996 إلى الهيئة التي أنشأها المرسوم في حين أنه لا يجوز نقل الاختصاص المقرر لجهة ما بقانون وذلك بأداة أدنى من القانون، وهو ما يعني عدم وجود أي حاجة إلى السلطة التشريعية التي يمكن تغيير القوانين التي تقرها من دون الرجوع إليها، كما إن المرسوم المطعون فيه تضمن تعديلاً في القانون رقم (31) لسنة 2006 بشأن اعتماد الميزانية العامة للسنتين الماليتين 2007/2008 حيث نقل الاعتمادات المخصصة لوزارة الكهرباء والماء لعام 2008 إلى الهيئة التي أنشأها بما يتضمن تعديلاً في قانون الميزانية القائم من دون اتخاذ الإجراءات الدستورية المقررة لتعديل القانون، بما يجعل المرسوم مشوياً بشبهة عدم الدستورية بفرض جواز إنشاء الهيئات والمؤسسات العامة بمرسوم. عدم اختصاص المحكمة بالشق الاحتياطي ومن جانبه، دفع ممثل جهاز قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في شقها الاحتياطي، بدعوى أن هذا الطلب يتضمن طعناً بمخالفة نصين تشريعيين للقانون وهذا الدفع مردود بأن الطالب وإن أورد أوجه المخالفة المذكورة في البند “احتياطياً” على أنها مخالفة للقوانين، إلا أنه -وكما انتهت إليه المحكمة في تحديدها لنطاق الدعوى- قد انتهى إلى مخالفة النصين الواردين في المرسوم المطعون فيه، والخاصين بنقل اختصاصات وزارة الكهرباء والماء إلى هيئة الكهرباء والماء وتعديل القانون رقم (31) لسنة 2006 بشأن اعتماد الميزانية للسنتين الماليتين 2007/2008 بنقل الجزء المخصص لوزارة الكهرباء والماء لعام 2008 إلى الهيئة المذكورة، لأحكام الدستور المتعلقة بقواعد تحديد اختصاصات المرافق العامة والأحكام المتعلقة بالميزانية العامة، وهو ما يشكل خروجاً على أحكام الدستور لا تمتد إليه ولاية قاضي المشروعية. انعقاد الاختصاص للملك ومن جهتها، أوضحت المحكمة أن الفقرة (ب) من المادة (39) من الدستور تنص على أن: “يضع الملك بمراسيم، لوائح الضبط واللوائح اللازمة لترتيب المصالح والإيرادات العامة بما لا يتعارض مع القوانين”. وتنص الفقرة (أ) من المادة (50) من الدستور على أن: “ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وبما يكفل لهيئات الإدارة البلدية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها”. وأشارت إلى أن اصطلاح المصالح العامة الذي أوردته المادة (39/ب) من الدستور يقصد به الهيئات أو المشروعات، التي تعمل باطراد وانتظام تحت إدارة أو رقابة الدولة أو الأشخاص الإدارية الأخرى، وعلى اتصال وثيق بها لسد حاجات الجمهور والقيام بأداء الخدمات العامة. ولفتت إلى أنه إذا كانت المادة (39/ب) من الدستور ذكرت ترتيب المصالح العامة والإدارات العامة، ولم تشر إلى إنشائها، إلا أنه من المقرر أن الترتيب يشمل الإنشاء والتنظيم، ذلك أن المُشرع الدستوري بعد أن قرر الأصل العام في المادة (39/ب) عاد وخصصه بنصوص أخرى في الدستور، اشترط فيها وجوب صدور قانون بشأن إنشاء بعض المرافق العامة التي حددها وعينها، وهو ما يعني أن ما عداها يكون للسلطة التنفيذية أن تصدر في شأنه مراسيم في صورة لوائح تنظيمية، ومن ثم يكون الدستور أعطى السلطة التنفيذية الحق في إنشاء المصالح والإدارات العامة وتنظيمها إلا ما استثني بنص خاص فيه. وخلصت المحكمة إلى أن المرافق والمصالح العامة التي تنشأ وفقاً للمادة (39/ب) تكون تابعة للسلطة المركزية ولا تتمتع بالشخصية المعنوية وتكون أداة إنشائها هي المرسوم قرار إداري تنظيمي، في حين أن المرافق التي تُنشأ وفقاً للمادة (50) من الدستور تكون متمتعة بالشخصية المعنوية فلها حقوق وأموال مستقلة عن حقوق الدولة وأموالها وتكون ذات نظام لا مركزي في إدارتها وتكون مسؤولة عن تعويض الأضرار التي تترتب على أخطائها، وأداة إنشاء هذه المرافق هي القانون، منوهة إلى أن الأولى تدخل في اختصاص السلطة التنفيذية في حين الثانية تكون من اختصاص السلطة التشريعية. وتعتبر هيئة الكهرباء والماء إحدى المصالح أو الإدارات العامة التابعة للسلطة المركزية، وبالتالي ينعقد الاختصاص بإنشائها للملك -بوصفه رئيساً للسلطة التنفيذية- وتجد أساسها في نص المادة (39/ب) من الدستور، وإذ صدر المرسوم المطعون فيه مستنداً إلى نص هذه المادة من الدستور ومتفقاً مع أحكامه تعين القضاء برفض هذا الشق من الطلب الماثل. تحديد اختصاصات المرافق العامة منوط بالسلطة التنفيذية وفي ما يخص الطلب الثاني في الشق الأول الخاص بالحكم بعدم دستورية النص الوارد في المرسوم المطعون فيه الخاص بنقل اختصاصات وزارة الكهرباء والماء إلى هيئة الكهرباء والماء، أوضحت المحكمة أن المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم (98) لسنة 2007 بإنشاء هيئة الكهرباء والماء تنص على أن: “تتولى الهيئة الاختصاصات المعقودة لوزارة الكهرباء والماء ويكون لها حقوق الوزارة وتتحمل التزاماتها”. وينضوي تحت لوائه أمور عدة منها كيفية تكوين هذه المرافق ووضع القواعد التي تبين طريقة إدارتها، وتحديد اختصاصاتها، وهو ما يعني أن تحديد اختصاصات المرافق العامة هو أمر منوط بالسلطة التنفيذية تستمده من نص المادة (39/ب) من الدستور، إلا أن ذلك لا يمنع السلطة التشريعية من وضع القواعد الخاصة بتنظيم المرافق العامة باعتبارها السلطة التي أولاها الدستور مهمة التشريع، ولم يرد في نصوص الدستور ما يقصر هذا الحق على السلطة التنفيذية التي منحها الدستور -إضافة إلى وظيفتها الأصلية- سلطة وضع اللوائح على سبيل الاستثناء، وإذ كان ذلك. وكانت المادة الثانية من المرسوم المطعون فيه نصت إلى أن: “تتولى الهيئة مباشرة الاختصاصات المعقودة لوزارة الكهرباء”، ومن ثم تكون الهيئة قد حلت محل وزارة الكهرباء والماء في الاختصاصات التي كانت تمارسها بموجب المرسوم بقانون رقم (1) لسنة 1996 في شأن الكهرباء والماء، وإذ جاء نص المادة الثانية من المرسوم المطعون فيه متفقاً مع نص المادة (39/ب) من الدستور ولا يتعارض مع أي حكم آخر مما يتعين القضاء برفض هذا الشق من الطلب الثاني. وبخصوص الشق المتعلق بعدم دستورية النص الوارد بالمرسوم المطعون عليه الخاص بنقل الأموال المخصصة لوزارة الكهرباء والماء لعام 2008 إلى هيئة الكهرباء والماء، عقبت المحكمة بأنه من المقرر، أن المرافق العامة إنما تتوخى إشباع أغراض بذواتها تقتضيها خصائص نشاطها التي تقدر معها الجهة التي أنشأتها، أن أشخاص القانون الخاص لا يقوون على مباشرة الأعمال التي تنهض بها، أو ينفرون منها، أو قد يديرونها وفق نظم لا تلائمها، ومن ثم تقرر هذه الجهة -وهي بالضرورة من أشخاص القانون العام- تنظيمها بما يكفل سريان نظام قانوني خاص عليها، سواء في شأن علاقتها بالعاملين فيها، أو على صعيد عقودها، أو قواعد مسؤوليتها، أو طرق محاسبتها أو الجهات القضائية التي تنفرد بالفصل في منازعاتها. وطبقاً للمادة (39/ب) من الدستور فإن إنشاء هذه المرافق يتم بمقتضى قرار من السلطة التنفيذية من دون تدخل من السلطة التشريعية في هذا المجال، إلا إذا تطلب الأمر الموافقة على اعتمادات مالية جديدة تخص هذا الإنشاء فيلزم أن يصدر قانون بها. وفي حال اقتصر الأمر على مجرد إلغاء مرفق وإنشاء آخر بدلاً منه ووضع القواعد التي تكفل تنظيمه وحسن سيره بعد إنشائه، وممارسة ذات نشاطه واختصاصاته، فإن الأموال المرصودة في ميزانية المرفق القديم تؤول إلى المرفق الجديد من دون حاجة إلى أن يصدر قانون بنقلها إلى ميزانيته. وحيث إنه لما كان المرسوم المطعون فيه قد نص على إنشاء مرفق جديد سماه “هيئة الكهرباء والماء” تتبع مجلس الوزراء وتتولى ذات النشاط الذي كانت تمارسه وزارة الكهرباء والماء، وتتولى مباشرة الاختصاصات المقصودة لوزارة الكهرباء والماء، ويكون لها حقوق الوزارة كافة وتثمل التزاماتها، فإن نص المادة الرابعة من المرسوم المطعون فيه على أولوية المخصصات المالية المرصودة لوزارة الكهرباء والماء في الميزانية العامة للدولة عن العام المالي 2007/2008 إلى الهيئة هو نص لا مخالفة فيه لأحكام الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذا الشق من الطلب الماثل، وبناء للأسباب التي ذكرت حكمت برفض الطلب وألزمت الطالب المصروفات.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}