وكأننا كنا نحتاج إلى ما يسمى «بالمصحح» في هواتفنا والذي بلغت فيه «اللقافة» أي «الحشرية» أن يكتب نيابة عنك ويختار الكلمة التي هي أقرب للمعنى الذي فهمه هو، ويضعها في نص الرسالة التي تكتبها، ثم يتركنا نواجه مصائرنا بعد أن يرتكب جريمته النكراء.

اللغة العربية خطرة جداً إن لم تحسن استخدامها فتغير التشكيل أو تغير حرفاً ممكن أن يغير لك المعنى تماماً وربما يغيره إلى النقيض، وإن لم تتدارك نفسك وتصحح الخطأ فإن القراءة ممكن أن تؤدي إلى نتائج وخيمة وأمور لا تحمد عقباها والأمثلة أكثر من أن تحصى.

فما هو ذنب ذلك المسكين القابع في جناح الكسور في المستشفى الذي أرسل لزوجته رسالة رومانسية جميلة شكرها فيها على ما بذلته من جهد لإسعاده، وختمها بعبارة «شكراً زوجتي الرائعة» وأرسلها لها على هاتفها منتظراً أن يكون الرد بذل مزيد من الجهد بعد أن قام بواجبه التحفيزي كما جاء في كتاب «الأبدية في فن السعادة الزوجية»، ما أدراه أن المصحح «الملقوف» في هاتفه قد بدلها من تلقاء نفسه واختار كلمة «الرابعة» بدلاً من الرائعة؟ هو حرف الذي تغير ولكن.. أي حرف!!

ما ذنب صديقتنا المسكينة فما أصابها جعلها تود أن تنشق الأرض وتبلعها من الحرج فمهما حاولت التفسير أو الشرح أو التبرير فإنها لن تجد لها عذراً.

تقول السيدة الفاضلة إن علاقتها بمديرها ليست على ما يرام ووسائل التفاهم معدومة بينهما، وذات يوم طرقت باب مديرها في العمل لكنه رفض استقبالها، ومن المعروف أن مديرها رجل «أقشر» ذو وجه عبوس، جاد جداً جداً في عمله.

المهم أختنا الكريمة كتبت رسالة على هاتفها وهي تكتم غيظها وأرسلتها لهاتفه «رجاء كلمني للضرورة» وانتظرت وهي متحفزة ومستعدة لجدال ومناقشة حادة وجادة كالعادة في أمور العمل، وإذ بالباب يفتح ويخرج المدير وعلى وجهه ابتسامة خبيثة!

ويقول لها «آمريني» فوجئت المسكينة برد فعل غير متوقع، فخفضت من نبرة صوتها الحاد وأخبرته عن موضوعها بهدوء بعد أن كانت قد استعدت لمعركة يصل فيها صوتها لعنان السماء، ولكن تغير أسلوبه المفاجئ في الحديث معها جعلها تغير من أسلوبها أيضاً، ولم يدعها تكمل حديثها إذ أصدر أوامره لمدير مكتبه نفذ ما طلبته فلانة فوراً وعاد لاجتماعه!!

خرجت أختنا الفاضلة وهي في حالة ذهول تضرب أخماساً في أسداس ما الذي حدث؟ بالأمس كان رافضاً ولم يصغ حتى لحجتها وأسبابها، واليوم حتى لم يسمعها بل نفذ طلبها فوراً!!

ما بين الأمس واليوم لم يحدث شيء غير.. الرسالة التي أرسلتها له، نظرت لهاتفها مسرعة ثم تهاوت على أقرب كرسي بعد أن قرأت رسالتها!!

عزيزي القارئ اترك لخيالك الحرية لتعرف أي الحروف تغير أو زاد أو اختفى وغير المعنى تماماً.. تماماً؟!!