بقلم: ألن بيتي لا تقف آثار الأزمة الاقتصادية الأوربية عند نشر الذعر بين صناع القرار في باقي أرجاء العالم فحسب، بل أن اللهب الخارجة من منطقة اليورو تحمل مخاطر نشر الحريق في مناطق أخرى من المعمورة. في الولايات المتحدة، مثلا، ورغم ان الإدارة الأمريكية والكونغرس ينظران بقلق إلى أوروبا، لا تزال تشكل تصرفات الصين تجاه عملتها الوطنية وكذلك مسائل التجارة أحد أكثر القضايا المقلقة و المستحوذة على الأذهان. وإذا ما تجمد الاقتصاد الأمريكي في مكانه وظلت معدلات البطالة مرتفعة مع اقتراب الولايات المتحدة من دخول السنة الانتخابية، من المحتمل جداً أن ينفد صبر الكونغرس وتزداد المخاوف من نشوب حرب تجارية دولية شاملة. ولكن تظل هناك عدد من النقاط المهمة العالقة، فمع ان بكين فكت ارتباط عملتها الوطنية “يوان” بالدولار في يونيو 2010، إلا أنها سمحت بتعديل صغير لسعر العملة في 2011. ورغم بعض الإصلاحات التي أدخلتها على سياسة “الابتكار المحلي”، والهادفة إلى إقامة صناعات ذات قيمة مضافة عالية، تحتفظ الصين بمجموعة من أدوات التدخل التي تشمل الإعانات الحكومية والنقل الإلزامي للتكنولوجيا من قبل الشركات الأجنبية. و مع هذا، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحققون بعض التقدم مع الأساليب المتعارضة والمرنة كذلك، بل ويستفيدون من الفرص كلما ظهرت ويحاولون العمل مع الإصلاحيين الصينيين بدلا من البحث عن المواجهات. وفي هذا الشأن يعلق أحد كبار المسؤولين الأمريكيين قائلاً: “نحن نتبع أسلوبا مزدوجا - محاولة جذب الصين نحو النظام الدولي وجعلها تتحمل المسئوليات كونها عضوة في نفس مجموعة الدول المسؤولة عن الحفاظ على قيام النظام الدولي بعمله على وجه حسن. ثم في الوقت ذاته، انتقادها بشدة عندما تتخذ إجراءات تتعارض مع القواعد”. رغم ان الإدارة الأمريكية ظلت تحاول توسيع ساحة العمل مع بكين، لا تزال العملة هي المسألة الأكثر إثارة للقلق لدى الكونغرس. ان فائض الحساب الجاري للصين، الذي يرى المشرعون الأمريكيون انه يعكس إلى حد كبير القيمة المتدنية لعملتها الوطنية، قد هبط من حجم يساوي أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للصين العام 2007 إلى ما يساوي 4% من الناتج العام الحالي. ومع هذا، يزعم العديد من أعضاء الكونغرس أن التلاعب بالعملة من اجل دعم المصدرين الصينيين قد تتسبب في عدم التوازن على الصعيد الدولي. ومن المحتمل أن تسمح الصين بزيادة قيمة عملتها بأقل من 5%، والذي سيظل يترك اليوان أدنى بكثير من قيمته الفعلية وفقا لغالبية التقديرات، رغم أن مثل تلك الحسابات مرفوضة من قبل بكين. ويرى معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، وهو بيت خبرة يتخذ من واشنطن مقرا له، أن اليوان لا يزال أدنى بحوالي 24% من القيمة العادلة مقابل الدولار. إن تخفيف حدة الضغوطات التضخمية وظهور مؤشرات على تباطوء النمو تسببت في تراجع حوافز الصين لتسريع اجراءات رفع قيمة العملة الضرورية لتهدئة السرعة المفرطة لاقتصادها. ومن جانبها استخدمت الولايات المتحدة مزيجا من الدبلوماسية الثنائية تلك المتعددة الأطراف من اجل اقناع بكين بأن مصالحها تكمن في السماح برفع قيمة عملتها، بما في ذلك طرح الموضوع على اجتماعات مجموعة الدول العشرين الصناعية الكبرى، علاوة على ما سبق وجدت واشنطن أن في أيديها اداة تفاوضية خطيرة أخرى، ألا وهي التهديد بفرض تعرفة على العملة. يشار إلى أنه في اكتوبر الماضي وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون يلزم الولايات المتحدة باستخدام حسابات للعملات المقدرة بأقل من قيمتها عند الحاجة الى معرفة حجم الواردات المسعرة بصورة غير عادلة، وذلك من أجل فرض تعرفة طارئة تسمى “محاربة الاغراق” وأخرى تسمى “التعويض”. ويبدو اليوم أن البيت الأبيض يسعى إلى استخدام القانون المذكور كنوع من التهديد، رغم أن الإدارة الأمريكية غير واثقة من مدى توافق هذا القانون مع قواعد منظمة التجارة العالمية. وهذا الموقف المتردد يثير القلق لدى قيادة تكتل الحزب الجمهوري بمجلس النواب، والتي تقول إن المقترح يهدد بقيام حرب تجارية شاملة. وفي هذا الصدد يتفق بعض الخبراء على أن مثل هذا التهديد قد يتحول الى سلاح ذي حدين. وعلى سبيل المثال، يقول نيك لاردي، من معهد “بيترسون”، إن المواجهة المباشرة لا تكاد تضعف موقف المسئولين الصينيين – ومعهم البنك المركزي – ويطالب بالمقابل بمزيد من المرونة تجاه العملة. ولكن الأحداث الجارية في الاقتصاد العالمي تتجه نحو إضعاف الموقف الأمريكي. إذ إن زيادة الاهتمام بتفادي المخاطر لدى المستثمرين قد تسببت مؤخراً في تراجع التدفقات الرأسمالية على الصين وأضعفت من ثم قوة اليوان. وفي أوروبا، لا يزال بعض المسؤولين يأملون في أن تبادر الصين إلى تقديم العون لإنقاذ منطقة اليورو وعليه فانه ليس هناك ما يشجع الأوربيين على الدخول مواجهة مع بكين. يشار إلى ان قيمة العملة وما يرتبط بها دائما ما كانت من المسائل التي يصعب ممارسة الضغوط فيها، بل إن هناك القليل من القوانين التي تعالج كيفية تحديد معدلات الصرف على الصعيد العالمي. وعلى النقيض من هذا، نلاحظ أن التجارة في السلع والخدمات – وما يتعلق بها من مسائل مثل استقدام العمالة، الاستثمارات الأجنبية، حقوق الملكية الفكرية والقوانين المحلية – تملك مسارات متنوعة يمكن سلوكها بدون الحاجة إلى أحدث مشكلات دبلوماسية مع الدول الأخرى. ولعل آخر ملاذ أمام واشنطن في التعامل مع الصين هو عقد صفقات تجارية مع تكتلات من الدول على أمل أن تشعر الصين بأنها مجبرة على الانضمام إلى الركب. وكانت الولايات المتحدة وافقت مؤخرا على الدخول في تحالف مع منظمة الشراكة عبر حوض المحيط الهادي، وهو تكتل مؤلف من 9 دول – تشمل فيتنام التي تتبع سياسية تقوم على التدخل الحكومي على غرار الصين – على أمل التوصل إلى صفقة بحلول نهاية عام 2012. هذا فضلاً عن أن واشنطن تدرس فكرة التوصل إلى المزيد من الاتفاقيات المتعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق ما تصبو إليه. وحسب قول أحد المسؤولين الأمريكيين فإنه “يجب على الأمريكيين إقناع الصين بأن مـــــــن صالحهـــــــــــــــا الانضمــــــــــــــــــام إلى الركـــــــــب الــــــــذي نســــــير فيــــــــه”.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90