كتبت في مقال سابق عن «التربية الديمقراطية» التي «تشكل معالم الطفل النفسية والشخصية على الاستقلالية وتنظم فكره وتصقل طاقاته وتمنحه الثقة ليسيطر على ذاته ومن ثم أفعاله وتعطيه القدرة على حماية نفسه من المخاطر». هذا الأسلوب المستحدث الذي ينتقل بثمار التربية التقليدية من المألوف إلى مستوى متقدم جداً يبني معه «الشخصية القيادية المؤطرة» للطفل ويهيئه لعالم الغد بتحدياته. واليوم أود التركيز على تربية الصغار على «حقوق الإنسان» والتي تشكل تحدياً صعباً من حيث استيعاب الصغار لمفهومها وتصوراتها وتطبيقاتها الواقعية. في السياق ذاته تشير الكاتبة ريهام عبدالناصر في مقال لها إلى أن تربية الصغار على «حقوق الإنسان» تساعد على تنمية العنصر الإنساني عند الصغار عن طريق تثقيف سلوكاتهم والذي يؤدي كمحصلة إلى حداثة وتنمية المجتمع نفسه. وأكدت الكاتبة أن تربيتهم على «حقوق الإنسان» لا تقتصر على تعليمهم الحقوق والمعارف، بل تتعدى ذلك لتستهدف التركيز على تأسيس قيمهم ومبادئهم، كما أنها تتعدى تدريس مفاهيم الحرية، والكرامة والمساواة، لتصل إلى ممارستها على أرض الواقع والإيمان بها واحترامها، وبذلك ينشأ الطفل على مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية حتى يتمكن من تطبيقها بشكل صحيح من خلال سلوكه اليومي وفقاً لمصالح المجتمع بتوازٍ مع مفهوم الدولة «لحقوق الإنسان» ولكي نحقق مستوى النجاح الذي نأمله في أثناء تربية صغارنا على «حقوق الإنسان» لا بد من أن نذكر أنفسنا أولا بمفهوم «حقوق الإنسان» ونربيها على ممارسة تطبيقاتها حتى نكون قدوة للصغار ونتمكن من نقل المفاهيم الصحيحة بواقعية لتلك العقول الصغيرة التي تراقبنا عن كثب وتستوعبنا وتستنسخ أفعالنا وألفاظنا وحواراتنا وتسأل مليون سؤال وتبادر وتحاور في زمن تعددت فيه المصطلحات وتناقضت تطبيقاتها. إن المسؤولية على عاتقنا كبيرة «فحقوق الإنسان» مصطلح وفلسفة شاملة ومتشعبة ويمكن جمعها في التعريف الآتي: «هي الإمكانات والرخص المتاحة للفرد والتي تحمي كرامته وتساهم في تقوية شخصيته وإثبات وجوده وتحقيق ازدهاره، وهي المطالب التي يجب توفيرها لجميع الناس دون أي تفرقة. وتعبر حقوق الإنسان عن الحريات التي يمتلكها الفرد وتحميها المواثيق والقوانين الدولية، وهي الضمانات التي تحمي الأفراد من التعرض للظلم والتفرقة والانتهاك». وحقوق الإنسان ملك لكل البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأصولهم وأديانهم وكل ما يتعلق بهم. وقد تعددت حقوق الإنسان، فمنها حقوق اجتماعية ومنها سياسية ومنها اقتصادية وغيرها الكثير. هذا التعريف يتطلب أساليب تربوية مبتكرة لتبسيطه وشرحه للصغار واستحداث طرق لمتابعة تطبيقهم له. ومثلما تعد تربية الصغار على الديمقراطية تحدياً حقيقياً، تعد تربيتهم على فلسفة «حقوق الإنسان» تحدياً من نوع آخر؛ لأن هذه الفلسفة تحتمل التباين في وجهات النظر وتتطلب عمقاً وذكاءً وسعة أفق، كما أنها تتطلب منا أن نوفر بيئة داعمة للصغار تعكس ثقافتنا وفكرنا الذي يعكس إيماننا الحقيقي «بحقوق الإنسان».