كتبت - عايدة البلوشي: الاعتداء الجنسي على الأطفال، إحدى الحقائق القاسية. ظاهرة خطيرة تهدد الأبرياء، أفرزتها الحضارة الحديثة المادية، وتفاقمت مع الصمت والخجل الاجتماعي والخوف من النظرة الاجتماعية القاسية، ليسدل الكتمان ستاره عليها، وتتكرر حوادث الاعتداء. من هذا الباب نستعرض هنا جملة من حوادث الاعتداء المروعة، مردفين برأي لأستاذ جامعي. يعتدي على ابنة أخيه تركت الأم ابنتها ذات الثلاثة أعوام مع عمها، وبعد عودتها إلى المنزل أحست بوجود شيء بينها وبين عمها، لكنها هونت الأمر، وأخذت الأمور ببساطة. لكنها وجدت ابنتها تبكي بخوف وتقوم بتصرفات غريبة. خمنت أن الخادمة هي السبب، وحاولت التحقق إلا أن تصرفات الخادمة كانت طبيعية. حاولت أن تعرف السبب من الطفلة إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل. ثم طلبت الطفلة عمها، وما إن حضر حتى انخرطت في البكاء. حتى اكتشفت الأم بفعل تصرفات الطفلة البريئة التي لا تفرق بين الصواب والخطأ أن عم الطفلة اعتدى عليها. ورغم ذلك اكتفت الجهات المختصة بحبس المعتدي ستة أشهر مع وقف التنفيذ، ثم خرج بكفالة مالية. الصمت لا يفيد كان في المرحلة الابتدائية حين اعتدى عليه المدرس. ورغم أن الحادثة غطاها ستار الصمت، إلا أنّ نسيانه إياها أمر أشبه بالمستحيل. لقد تأثر كثيراً، وتمكن من إخفاء ألمه، إلا أن الكتمان زاد من حدة المشكلة، كما إن المعتدي أمن العقوبة فبدأ بتكرار أفعاله المشينة. أما هو فلايزال يشعر بعدم الثقة، وقد تأثر مستواه التحصيلي، رغم حرص والديه على تفوقه. إنه دائم التفكير والشعور بالقلق والتوتر، وينتابه الندم بسبب صمته. ويأمل من كل تعرض لاعتداء أن يجهر بما حدث له لكي يعاقب كل معتدٍ. الخال كان الفاعل بعد انفصال والديها سكنت الطفلة مع والدتها. وبسبب انشغال الأم في العمل، قرر خالها أخذها من الروضة بشكل يومي ليعود بها إلى المنزل. حتى اعتدى عليها. ثم تحدثت لأمها ببراءة عما فعله خالها بها، فكادت أمها أن تجن، لكنها فضلت الصمت خوفاً من الفضيحة، ومن إبعادها عنها. د. الجنيد: الأرقام لا تكشف حجم المشكلة من جانبها تؤكد الأستاذ المساعد بقسم علم النفس بكلية الآداب في جامعة البحرين شيخة الجنيد في تعليقها على الحالات السابقة أن الأرقام والإحصاءات لا تفصح عن الحقيقة كلها، بسبب صمت كثير من الآباء على الاعتداءات على أبنائهم وبناتهم. رغم إدراكهم أن سوء معاملة الأطفال تنذر بمشاكل اجتماعية متفاقمة بعد البلوغ. وتشير الجنيد إلى أن أهم الأسباب التي أدت إلى تفحل هذه الظاهرة هي ضعف الوازع الديني للأسرة وابتعادها على المنهجية التربوية الإسلامية في التربية، حيث أدى ذلك إلى إهمال المسؤولية الاجتماعية وتناست أن كل راع مسؤول عن رعيته، كما أدى ذلك إلى عدم غرس القيم التربوية السليمة في نفوس الأطفال منذ نعومة أظافرهم، وكأن الأسرة بذلك قد ساهمت في إيجاد كل من الضحية ضعيفة الشخصية، وضعيفة الإيمان والتوكل على الله، والمعتدي المضطرب، الجانحة نفسه للشهوة، والانتقام والهوى. وتضيف الجنيد: بحسب الدراسة التي قامت بها د. فضيلة المحروس العام 2001 فإن 82% من الاعتداءات الجنسية حصلت في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل، و77%من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا في موضع ثقة الطفل. وتؤكد إحصاءات من الولايات المتحدة وكندا؛ أن فتاة واحدة على الأقل من كل 4 فتيات تتعرض للاعتداء، وأن واحداً على الأقل من كل 10 أولاد يتعرض للاعتداء الجنسي في فترة ما من حياتهم قبل سن الـ18، و 10% من هؤلاء الأطفال يكونون في سن ما قبل المدرسة، و85-90% من هذه الحالات يكون فيها المعتدي قريباً للطفل. وأن ما نسبته 95% من المعتدين على الأطفال تعرضوا هم أنفسهم للاعتداء في طفولتهم، و80% من متعاطي المواد الضارة كالكحول والمخدرات تعرضوا للاعتداء في طفولتهم، و80% من الفارين من منازلهم يشيرون إلى الاعتداء كعامل أساسي في هروبهم، و78% من السجناء تعرضوا للاعتداء في طفولتهم. كما تتم غالبية الاعتداءات على شتى أنواعها خلف الكواليس في السر بين الأقارب والأهالي، ولا يتم الإعلان عنها. الاعتداء رغبة أساسية في الإيذاء وتبين الجنيد أن المقصود بالاعتداء رغبة أساسية في الإيذاء، وهي الرغبة التي يتم التعبير عنها باستخدام الفعل، حيث يتم إيذاء شخص ما عن طريق شخص أو مجموعة أشخاص أكثر سطوة وهم يقومون بهذا الاعتداء بلا أي مبرر. ويتكرر هذا الاعتداء مع قدر كبير من الشعور بالاستمتاع، مشيرة إلى أنواع أربعة للاعتداءات؛ منها الاعتداء العاطفي والجسدي والاعتداء الجنسي والإهمال. ويقصد بالاعتداء الجنسي هو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لدى المعتدي. ويشمل تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي، ويتضمن غالباً التحرش الجنسي بالطفل من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المتحرش جنسياً. ومن الأشكال الأخرى للاعتداء الجنسي على الطفل المجامعة وبغاء الأطفال والاستغلال الجنسي للطفل عبر الصور الخلاعية والمواقع الإباحية. وحول الحيل التي يستخدمها المعتدي، تذكر د. الجنيد أن هناك طرقاً عديدة يستخدمها المعتدي في الإيقاع بضحيته وأغلبها تعتمد على الخداع والحيلة، فيجب على الطفل أن يكون يقظاً وحذراً. وأن يكون ذكياً أفضل من أن يكون قوياً. فمن هذه الحيل التي قد يستخدمها المعتدي محاولة التقرب والمصادقة، فمن مميزات الطفل والمراهق سرعة تعلقهم بمن يعجبون به، لذا قد يحاول المعتدي التقرب من الضحية من خلال إظهار الاهتمام ومحاولة التقرب من الضحية، ومحاولة الإغراء باللعب أو بأي شيء آخر يحبه الطفل فيستغل المعتدي حب الضحية للعبة ما أو شيء ما، محاولاً من خلال هذا الشيء أن يستدرج الضحية، ومحاولة التطمين المستمر فقد يوهم المعتدي الضحية بأن هذا الفعل «عادي» وأن لا مشكلة في الأمر، وأسلوب القسوة المباشرة ففي بعض الأحيان قد يلجأ المعتدي إلى تحين الفرصة المناسبة، لينفرد بالطفل بغية خطفه والاعتداء عليه في مكان بعيد أو مهجور. وقد يتبع أسلوب السرية لضمان الاستمرار ولمنع العقوبة؛ فقد يحاول المعتدي بشتى الطرق حماية نفسه من العقاب من خلال محاولة تهديد الضحية ومطالبتها بالكتمان، والملامسة لجس النبض وتحويلها إلى لعبة متبادلة. وربما يحاول المعتدي من خلال ادعاء المزاح «مزاح ثقيل» أن يلامس جسد الضحية لمحاولة معرفة نوع الضحية وهل ستدافع عن نفسها أم لا. ومن خلال ردة فعل الطفل عنيفة أو لا مبالاة يتخذ المعتدي قراره بالاعتداء أو لا. كما يحاول المعتدي الظهور بحال العجز والحاجة للمساعدة، ويطلب من الضحية المساعدة. وعادة ما تتطلب هذه المساعدة أن يذهب الطفل مع المعتدي إلى مكان آخر. الطفل ضحية عوامل عدّة وتوضح د. الجنيد أن الطفل يظل ضحية عوامل كثيرة؛ تأتي في مقدمتها الثقة الزائدة بالمعتدي؛ فالمعتدي غالباً ما يكون شخصاً ينزهه الآخرون وخصوصاً والدي الطفل. لذلك يكون تواجده بجوار الطفل أمراً اعتيادياً ولا يفتح باباً للريبة أو الشك. وتشير الدراسات الأمريكية -وللأسف لا توجد لدينا دراسات عربية وافية في هذا المجال- أن أكثر من 85%من الاعتداءات الجنسية على الأطفال يرتكبها أشخاص مقربون للطفل، بحيث إن الوالدين يمنحونهم صلاحية التواجد مع الطفل سواء كان في منزل الطفل أو مكان آخر للاختلاء بالطفل. وأن هناك أيضاً العادات والتقاليد فهي تفسر الاحترام على أنه طاعة الأكبر مهما كان، فيسمع الطفل مديحاً إذا ما عمل ما لا يقتنع به، وكذلك الأعراف السائدة التي تركز علي ظاهر الأفراد وتتسرع بالحكم من خلال الملبس أو الشهادات العلمية أو حتى الظاهر المتدين. لكن ليس كل من يوحي مظهره بالاستهتار أخطر ممن تبدو عليه هيبة المركز العالمي الوظيفي أو العلمي أو حتى الهيئة الدينية، حتى لو كان قيماً في مسجد يصبح ويمسي فيه ولا يغادر جدرانه. فنحن نحتاج إلى الارتقاء بثقافتنا بعيداً عن سوء الظن بالآخرين، لكن بالحذر والدقة والاستماع إلي النداء الداخلي. وتتابع: من ضمن العوامل أيضاً أساليب التنشئة الأسرية، فالأطفال ضحية للوالدين الذين لا يمتلكون المهارات الكافية لكي يتواصلوا مع أولادهم ويمنحوهم الإحساس بالأمان لكي يقولوا ما في قلوبهم وما يقلقهم وما يتعرضون له من أخطار، فيخاف الطفل من عواقب. وقد يكون الطفل ضحية المناهج الدراسية التي تركز علي تخزين المعلومات وليس علي مهارات التفكير وإيجاد الحلول والتي لا تشتمل علي مواد تساعد الأطفال علي التعرف علي المهارات الحياتية الأساسية التي يحتاجها الطفل، لكي يستطيع التعرف على الخطر وأن يتصرف عندما يكون في موقف غير مألوف. فلا يعرف كيف يهرب أو كيف يقول حتى كلمة لا؛ لأنه يتذكر أنه عوقب عندما قالها مثلاً. ولا يعرف الفرق بين السر الجيد والسر السيئ.