أنا كلاسيكية جداً تقليدية في ذائقتي الفنية أذني لا تستسيغ أي فن خرج عن هذا الخط، غناء أو رسماً أو شعراً وليس لي الانتقاص من هذه الفنون الجديدة أبداً التي تنتمي للحداثة شعراً كانت أو رسماً أو غناء فهي فنون عالمية لها رموزها ولها جمهورها الواسع ولها مدارسها ولها أكاديمياتها التي تدرسها، إنما المسألة مسألة تذوق لا أكثر ولا أقل.

أذني لا تستسيغ شعراً غير مقفى فصحى كان أو حتى نبطي الإجادة تتجلى فيه بأوزان وبحور الشعر والالتزام بالقافية، فتميز لك بين الشعر الجزل وغيره، أما في ما يكتب من الأقوال التي تحللت من هذه المعايير وتسمى شعراً حراً أو حداثياً فأنت أمام فضفضة كلام قد يكون معناها قوياً ولكنه ليس شعراً، وظلموه حين صنفوه شعراً، فليكن نثراً ليكن أي شيء آخر لكنه ليس شعراً، وكما قلت هذه ذائقتي الخاصة ولا يتفق معي الكثيرون المتحمسون والمعجبون والمشجعون لشعرائنا الحداثيين الذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير وأفرح لنجاحاتهم على المستوى العالمي ويشرفوننا ولكنها مرة أخرى الحكم فيها للقلب وما يهوى.

هو ذات الرأي ينطبق على فنون الغناء، هذا الصراخ والزعيق المسمى «راب» لا يمكن أن أقبل أنه غناء، وأشفق على أجيالنا الجديدة التي لم تتنظف أذنها على أصوات وغناء الفنون التقليدية حتى الأجنبية منها فكلاسيكياتها كانت قطعاً ولا أروع من الهدوء والسلام الفني صوتاً ولحناً وأداء تسمع كل كلمة بوضوح من المغني، اليوم تضطر أن تعيدها ألف مرة لتعي ماذا يقول هذا الذي يصرخ ويتقافز كحبة «النفيش».

في الرسم ممكن أن أقف ساعات أتامل لوحة تقليدية أتامل دقة الرسم والمحاكاة فيها وكيف أتقن الرسام التفاصيل الصغيرة، كيف فرق في نوع القماش بين حرير وصوف وقطن كيف أجاد لون الجلد وخصلات الشعر وكيف جعلها تنطق ولجودتها تتصور أن من في اللوحة سيخرج منها ويتحدث معك.

لكنني لا أتذوق لوحة لا تعرف ما هي ولا المقصود منها ولا تلتزم بالأبعاد والأحجام الطبيعية ويقال لك ليس من المفروض أن يشرح الرسام لوحته بل عليك أنت أن تفهمها كما تراها!!

الأدهى حين أستمع لمتذوقي هذه الفنون فيقف أمام اللوحة الحداثية التجريدية أو التكعيبية أو الحلمنتيشية ثم يستعرض لك خبرته الفنية في فهم المغزى والمعنى لما هو مرسوم وتجهد أنت نفسك تضيق حدقة عينك وتتسع تقترب من اللوحة وتبتعد تميل رأسك يميناً ويساراً تبحث عن المعنى وما يقوله الأخ فلا تجده، أذكر ذات مرة في معرض لفنانة من هؤلاء -ليست بحرينية- لكنها مشهورة كفنانة تشكيلية وكمكانة اجتماعية، وقف أمام لوحة من لوحاتها يوم الافتتاح مجموعة من الفنانين البحرينيين يشيدون بجمالها وكنت كالعادة أبحث عن ما يقولونه وكانت الفنانة صاحبة المعرض مشغولة بالبحث عن أحد يساعدها وحين حضر أحد العمال، تقدمت ناحيتنا واستسمحتنا بالابتعاد قليلاً عن الحائط وطلبت من العامل إنزال اللوحة وقلبها لأنها كانت معروضة بالمقلوب!! ولا حاجة لشرح بقية الموقف.

السموحة من كل فنانينا الحداثيين الأحرار العظماء لكنها الذائقة وهي حرة في ما تهوى!